×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

·        وسطية أهل السنة والجماعة في الوعد والوعيد:

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعةِ وَسَطٌ فِي نُصُوصِ الوَعدِ وَالوَعيدِ، وَأَصْحَابُ الكَبَائِرِ بَيْنَ المُرْجِئَةِ وَبَيْنَ الخَوَارِجِ وَالمُعتَزِلَةِ؛ فالمُرْجِئَةُ يَأْخُذُونَ بِنُصُوصِ الوَعدِ، وَيَتْرُكُونَ نُصُوصَ الوَعيدِ، وَيَقُولُونَ: لا يَضُرُّ مَع الإِيمَانِ مَعصِيَةٌ.

فالمَعاصِي عنْدَهُمْ أَمْرُهَا سَهْلٌ مَا دَامَ العبْدُ يُؤْمِنُ بِرَبِّهِ؛ يَقُولُونَ: لا تَضُرُّهُ المَعاصِي. أَخْذًا بِنُصُوصِ الوَعدِ الَّتِي فِيهَا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ، وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ بِعبَادِهِ.

فَيَأْخُذُونَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ، وَيَنْسَوْنَ أَنَّ الله سبحانه وتعالى يَغْصَبُ على مَنْ عصَاهُ؛ فَهُمْ يَأْخُذُونَ بِطَرَفٍ مِنَ الأدلَّة، ويتركون الطَّرَفَ الآخَرَ، والله جَمَعهُمَا في آَيَةٍ وَاحِدَةٍ، كقوله: ﴿غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ [غافر: 3] فهو مَع كَوْنِهِ غَافِرَ الذَّنْبِ وقَابِلَ التَّوْبَةِ، هُوَ أيضًا شَدِيدُ العقَابِ لِمَنْ عصَاهُ، لَكِنَّ المُرْجِئَةَ أَخَذُوا بالطَّرف الأوَّل - غافر الذَّنب وقابل التَّوبة - وَتَرَكُوا: شَدِيدَ العقاب، وَقَالُوا: مَا دَامَ الإِنْسَانُ مُؤْمِنًا، فَمَهْمَا عمِلَ مِنَ المَعاصِي والكَبَائِرِ، فإنَّه كَامِلُ الإِيمَانِ، ولا تَضُرُّهُ المَعصِيَةُ.

أمَّا الخَوَارِجُ والمعتزلة فَهُمَ علَى النَّقِيضِ مِنَ المُرْجِئَةِ؛ أَخَذُوا بِنُصُوصِ الوَعيدِ، وَتَرَكُوا نُصُوصَ الوَعدِ؛ فَأَخَذُوا بِقَوْلِهِ تَعالَى: شَدِيد العقَاب، وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا [الجن: 23] فَأَخَذُوا نُصُوصَ الوَعيدِ وَقَالُوا: إنَّ مُرْتَكِبَ الكَبِيرَةِ كَافِرٌ خَالِدٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ [غافر: 3] وَدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا [الجن: 23] فَهَذَا فِيهِ أَنَّ جَمِيع العصَاةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، وَنَسُوا أَنَّ اللهَ جل وعلا 


الشرح