أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا،
جَعلُوا لَهُمْ حَقَّ التَّشريع والتَّحليل والتَّحريم مِنْ بَابِ الغُلُوِّ؛
قَالَ تَعالَى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ
أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ
مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ
إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾
[التوبة: 31] هذا مَوْقِفُ النَّصَارَى مِنَ الرُّسُلِ؛ الغُلُوُّ، فِي مُقَابِلِ
مَوْقِفِ اليَهُودِ، وَهُوَ الجَفَاءُ فِي حَقِّ الرُّسُلِ وَالاِسْتِكْبَارُ
وَالعنَادُ والأَذَى للرُّسُلِ؛ لَمْ يَسْلَمْ رَسُولٌ، حَتَّى نَبِيُّهُمْ مُوسَى
عليه السلام لَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَذَاهُم؛ قَالَ تَعالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ
ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ
وَجِيهٗا﴾ [الأحزاب: 69].
أمَّا
المُسْلِمُونَ - والحمد لله - فَمَوْقِفُهُمْ مِنَ الرُّسُلِ هُوَ الوَسَطُ؛
يُؤْمِنُونَ بِجَمِيع الرُّسُلِ؛ خِلافًا لليَهُودِ، وَلَكِنْ لا يَغْلُونَ
فِيهِمْ، خِلافًا للنَّصَارَى، وإنَّمَا يَعتَقِدُونَ أَنَّهُم عبَادٌ مِنْ عبَادِ
اللهِ، وَأَنَّهُمْ رُسُلٌ مِنْ عنْدِ اللهِ عز وجل كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ
بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ
وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن
رُّسُلِهِۦۚ﴾ [البقرة: 285] هَذَا
مَوْقِفُ المُسْلِمِينَ مِنَ الرُّسُلِ؛ الإِيمَانُ بِرِسَالَتِهِمْ - خِلافًا
لليَهُودِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ - وَاحْتِرَامُهِمْ
وَإِجْلالُهُمْ، خِلافًا لليَهُودِ الَّذِينَ آَذَوْهُم وَتَنَقَّصُوهُم، وَلَكِنْ
مِنْ غَيْرِ غُلُوٍّ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعوهُم إلى مَرْتَبَةِ الرَّبِّ
سبحانه وتعالى خِلافًا للنَّصارى، وإنَّهم لا يعتقدون نبوَّة أَحَدٍ إِلاَّ مَنْ
أَرْسَلَهُ اللهُ سبحانه وتعالى فَلا يَتَّخِذُونَ العلَمَاءَ وَالأَحْبَارَ
وَالرُّهْبَانَ مُشَرِّعينَ يُحَلِّلُونَ وَيُحَرِّمُونَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مِنْ
كِتَابِ الله.
هذا
مَوْقِفُ المُسْلِمِينَ - ولله الحَمْدُ - وَهُوَ مَوْقِفُ الوَسَطِ مِنَ
الرُّسُلِ؛ خُصُوصًا فِي عيسَى عليه السلام فَاليَهُودُ جَفُوا فِي حَقِّهِ،
وَجَحَدُوا رِسَالَتَهُ، وَقَالُوا فيه وَفِي أُمِّهِ قَوْلاً شَنِيعا،
قَبَّحَهُمُ اللهُ.