* وَالنَّصَارَى غَلُوا فِيهِ حَتَّى
عبَدُوهُ مِنْ دُونِ اللهِ، والمسلمون يَقُولُونَ: المَسِيحُ عبْدُ اللهِ
وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ؛ فَلَمْ
يَجْفُوا فِي حَقِّهِ جَفَاءَ اليَهُودِ، وَلَمْ يَغْلُوا فِي حَقِّهِ غُلُوَّ
النَّصَارَى.
وَإِنَّمَا
اعتَقَدُوا فِيهِ مَا يَلِيقُ بِهِ؛ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ؛ خِلافًا لِليَهُودِ،
وَعبْدُ اللهِ، خِلافًا لِلنَّصَارَى الَّذِينَ يَزْعمُونَ أَنَّهُ ابْنُ اللهِ،
وَلَيْسَ عبْدَ اللهِ، تَعالَى اللهُ عمَّا يَقُولُونَ.
*
وَكَذَلِكَ فِي العبَادَةِ المُسْلِمُونَ وَسَطٌ بَيْنَ اليَهُودِ وَبَيْنَ
النَّصَارَى؛ فَاليَهُودُ عنْدَهُمُ التَّفْرِيطُ بِالعبَادَاتِ، وَالكَسَلُ عنِ
العبَادَاتِ، وَالتَّحَلُّلُ مِنَ الشَّرْع، وَالمَيْلُ إِلَى الإِبَاحِيَّةِ.
هَذِهِ صِفَةُ اليهود مع الشَّريعة؛ التَّفْرِيطُ والإهْمَالُ والكَسَلُ،
وَأَنَّهُمْ لا يَتَقَرَّبُونَ إِلَى الله سبحانه وتعالى بالعبادة إِلاَّ
بِالنَّزْرِ اليَسِيرِ، وَعلَى غَيْرِ الوَجْهِ المَشْرُوع.
والنَّصَارَى
غَلُوا في العبَادَةِ حَتَّى أَحْدَثُوا رَهْبَانِيَّةً ابتدعوها ما كَتَبَهَا
اللهُ علَيْهِمْ؛ فالرَّهْبَانِيَّةُ هِيَ إِفْرَاطٌ وَغُلُوٌّ في العبادة، حتَّى
تَرَكُوا ما أَبَاحَ اللهُ؛ تَقَرُّبًا إلى الله سبحانه وتعالى وحتَّى شَدَّدُوا
علَى أَنْفُسِهِمْ، وَاعتَزَلُوا فِي الصَّوَامِع، وَتَرَكُوا مَصَالِحَ
الدُّنْيَا والدِّين بِزَعمِهِمْ أنهم يَتَفَرَّغُونَ لِلعبَادَةِ، حتَّى الزَّواج
لا يتزوَّجون، ولا يأكلون الطَّيِّبات.
فَهُمْ
شَدَّدُوا علَى أَنْفُسِهِمْ فِي العبَادَةِ؛ فَهُمْ علَى طَرَفِ نَقِيضٍ مَع
اليَهُودِ؛ أُولَئِكَ فَرَّطُوا، وهؤلاء أَفْرَطُوا، أمَّا المسلمون - ولله الحمد
- فَهُمْ وَسَطٌ فِي العبَادَةِ لله؛ لا يُفَرِّطُونَ فِيهَا كَمَا فَرَّطَتِ
اليَهُودُ، ولا يَغْلُونَ فِيهَا كَمَا غَلَتِ النَّصَارَى؛ قَالَ تَعالَى: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ
لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ﴾ [النساء: 171] فالغُلُوُّ سِمَةُ النَّصَارَى،
والتَّسَاهُلُ فِي العبَادَةِ سِمَةُ اليَهُودِ، والمُسْلِمُونَ مُتَوَسِّطُونَ؛