×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

فَلا غُلُوَّ كَغُلُوِّ النَّصَارَى، وَلا تَسَاهُلَ وَتَفْرِيطَ كَتَسَاهُلِ اليَهُودِ وَتَفْرِيطِهِمْ، بَلْ مُعتَدِلُونَ فِي العبَادَةِ بَيْنَ التَّشَدُّدِ والتَّنَطُّع، وَبَيْنَ الإِهْمَالِ والتَّفريط. هَذِهِ صِفَةُ المُسْلِمِينَ فِي العبَادَةِ علَى طَرِيقَةِ نبيِّهم محمَّد صلى الله عليه وسلم حينما قال: «أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآَكُلُ اللَّحْمَ وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([1]).

هذه صِفَةُ المُسْلِمِينَ؛ يتمتَّعون بِمَا أَحَلَّ اللهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَلا يشقُّون على أنفسهم في العبادات، وإنَّما يتوسَّطون بين الإِفْرَاطِ والتَّفريط؛ لأنَّ دِينَهُمْ دِينُ الاعتِدَالِ، وَدِينُ الوَسَطيَّةِ، وَفِي الأَحْكَامِ - أَحْكَامِ الحَلالِ وَالحَرَامِ - المُسْلِمُونَ وَسَطٌ بَيْنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى؛ فاليَهُودُ تَشَدَّدُوا فِي التَّحْرِيمِ، حَتَّى حَرَّمُوا طَيِّبَاتٍ أٌُحِلَّتْ لَهُمْ.

حَرَّمُوا علَى أَنْفُسِهِمُ الطَّيِّبَاتِ، والنَّصَارَى تَسَاهَلُوا فِي التَّحْرِيمِ حتَّى اسْتَبَاحُوا الخِنْزِيرَ، وَاسْتَبَاحُوا المُحَرَّمَاتِ، وتعبَّدوا لله بالنَّجاسات؛ فَأَفْضَلُ عابِدٍ عنْدَهُمْ هُوَ أَقْذَرُ رَجُلٍ، وَأَوْسَخُ رَجُلٍ، الَّذي لا يترفَّع عن النَّجاسات. هذا عند النَّصارَى. أمَّا اليَهُودُ فإنَّهم كانوا لا يُسَاكِنُونَ الحَائِضَ، ولا يُوَاكِلُونَهَا، ولا يُشَارِبُونَهَا، والنَّصَارَى لا يَسْتَأْنِفُونَ مِنَ القَاذُورَاتِ والنَّجَاسَاتِ والأَوْسَاخِ، ويتقرَّبون إلى الله بذلك؛ فَأَفْضَلُهُم عنْدَهُمْ أَكْثَرُهُم وَسَاخَةً، وَمُلابَسَةً للنَّجَاسَاتِ والقَاذُورَاتِ، حتَّى إنَّهم يأكلون أَخَسَّ الحَيَوَانَاتِ، وَأَقْبَحَ الحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ الخِنْزِيرُ.

هَذِهِ صِفَةُ النَّصَارَى في التَّحْلِيلِ والتَّحْرِيمِ، وعلى عكْسِهِمُ اليَهُودُ؛ تشدَّدوا حتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ إذا أَصَابَتْ ثَوْبَهُ النَّجَاسَةُ لا يَغْسِلُهَا بالمَاءِ،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401).