قد يُطْلِع اللهُ الأَنْبِيَاءَ علَى شَيْءٍ
مِنْ علْمِ الغيب لمصلحة النَّاس، وهذا مِنْ مُعجِزَاتِهِمْ - عليهم الصَّلاة
والسَّلام - لكن لم يَعلَمُوهُ هُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، ولا بالتَّنجيم، ولا
بالسِّحر، وإنَّما علِمُوهُ عنْ طَرِيقِ الوَحْيِ المنزَّل من الله سبحانه وتعالى.
أمَّا
مَنْ يَدَّعي علْمَ الغَيْبِ، فإنَّه يُعتَبَرُ مُشْرِكًا كَافِرًا؛ لأنَّه
يَدَّعي مُشَارَكَةَ الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر، وَمَنْ أطلعهم مِنْ
رُسُلِهِ إنما كان ذلك لعلة ما، والله لم يُطْلِع السَّحَرَةَ، ولا الكَهَنَةَ على
علم الغيب، وإنَّما هذا كذب منهم وافتراء على الله سبحانه وتعالى وبذلك كفروا،
وأشركوا بالله عز وجل.
النوع
الثاني: النَّفْثُ في الخَيْطِ وَعقْدُهَا: كما قال
الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمِن
شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ﴾
[الفلق: 4] عقْدِ الخيوط، والنَّفث فيها، مَع قِرَاءَةِ أَسْمَاءِ الشَّياطين
والتَّعزيزات الشَّيطانيَّة. هذا نَوْع مِنَ السِّحْرِ، بل هو أعظم السِّحر
والعياذ بالله، وهذا كُفْرٌ صَرِيحٌ.
النوع
الثالث من أنواع السحر: علْمُ البَيَانِ: قَالَ صلى الله
عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ
لَحِكْمَةً ([1])، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا»
([2])؛
لأنَّ فَصَاحَةَ اللِّسَانِ وَالبَلاغةَ في الخَطَابَةِ قد تكون من أنواع السِّحر
أحيانًا؛ لأنَّ الخَطِيبَ والمتكلِّم إذا أُعطِيَ كَبَلاغَةٍ، خَيَّلَ على
النَّاس، وزَيَّنَ لهم الباطل، ويهرع له الحُجَج؛ فَيَقَلِبُ الحَقَّ باطلاً والباطل
حقًا.
ودعاة الضَّلال - والعياذ بالله - من هذا النَّوع إذا خَطَبَ على النَّاس، دَعاهُم إلى الكفر، وإلى الشِّرْكِ، وَزَيَّنَ لهم ذَلِكَ بِكَلامِهِ، وَحُجَجِه الزَّائفةِ؛ حتَّى يُخَيِّلَ للنَّاسِ أَنَّهَا حَقٌّ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (6145).