فَعمِلَ بِمَشُورَتِهِمْ، وَجَمَع السَّحَرَةَ،
وَجَاءُوا بِسِحْرِهِمْ، وَطَلَبُوا مِنْ مُوسَى أن يَبْدَأَ هو بِعرْضِ مَا
مَعهُ، أو هم يَبْدَءون؛ فَمُوسَى عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُمْ أَنْ يَعرِضُوا
ما عنْدَهُم، فعرضوا ما عنْدَهُم مِنَ السِّحْرِ الَّذي أَرْهَبَ النَّاسَ ﴿وَجَآءُو
بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ﴾ [الأعراف:
116] أَرْهَبَ النَّاسَ، فَأَمَرَ اللهُ مُوسَى عليه الصلاة والسلام أن يُلْقِيَ
عصَاهُ الَّتِي بِيَدِهِ، فَأَلْقَاهَا، فَابْتَلَعتْ كُلَّ مَا عمِلُوهُ مِنَ
السِّحْرِ... ابتلعته واخْتَفَى.
فعند
ذلك علِمَ السَّحَرَةُ أنَّ هذا ليس بِسِحْرٍ، وقرَّروا هذا، فكانت هذه شَهَادَةً
لموسى عليه الصلاة والسلام لأنَّ ما جاء به ليس بِسِحْرٍ، وإنَّما هو من عند الله،
وآمنوا به، وخرُّوا سُجَّدًا لربِّهم عز وجل وتابوا إلى الله.
وعند
ذلك اغْتَاظَ فِرْعوْنُ، وَأَرْغَى، وَأَزْبَدَ، ولجأ إلى القوَّة والتَّهديد؛
لأنَّ حُجَّتَهُ بَطَلَتْ، وانتهى أَمْرُهُ إلى ما ذَكَرَهُ الله سبحانه وتعالى
مِنَ الهَزِيمَةِ والانْدِحَارِ والهلاك، وَنَصَرَ اللهُ مُوسَى، وَأَخَاهُ،
وَمَنْ مَعهُمَا مِنَ المؤمنين؛ ﴿قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ
سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٨١وَيُحِقُّ ٱللَّهُ
ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٨٢﴾
[يونس: 81- 82] وهكذا لا يمكن أن يَتَقَابَلَ بَاطِلٌ وَحَقٌّ إِلاَّ وَيَنْهَزِمُ
الباطل دائمًا وأبدًا في كلِّ زمان، وفي كلِّ مكان، ولا يمكن أن يتقابل بالسِّحر
مع ما جاء به موسى عليه الصلاة والسلام لأنَّ ما جاء به الأنبياء هو من عند الله
عز وجل وهو حَقٌّ، وما يأتي به السَّحَرَةُ فهو باطل، ولا يمكن أَنْ يَقُومَ
البَاطِلُ في وجه الحَقِّ أبدًا، والله تَعالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ
حَيۡثُ أَتَىٰ﴾ [طه: 69]، ﴿أَتَقُولُونَ
لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّٰحِرُونَ﴾ [يونس: 77] السَّاحِرُ مَهْزُومٌ، والسِّحْرُ بَاطِلٌ،
وأمَّا مَنْ مَعهُ الحَقُّ والآيات من عند الله، فإنَّه مَنْصُورٌ، وَمُؤَيَّدٌ
مِنَ الله سبحانه وتعالى ولذلك السَّحَرَةُ إذا قَابَلَهُمْ