×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

اللهُ لا يَقْبَلُ عمَلاً فِيهِ شِرْكٌ، وَقَوْلُهُ: «شَيْئًا» يَشْمَلُ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ، والشِّرْكَ الأَصْغَرَ؛ الشِّرْكَ الأكبر المُخْرِجَ مِنَ المِلَّةِ، والشِّرْكَ الأَصْغَرَ الَّذِي لا يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ؛ لِقَوْلِهِ: «شَيْئًا»؛ فَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ، فَتَعمُّ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ وَالأَصْغَرَ.

وكذلك تَشْمَلُ كُلَّ مَا عبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ؛ لأنَّ بَعضَ النَّاس يَظُنُّ أَنَّ الشِّرْكَ عبَادَةُ الأَصْنَامِ فَقَطْ، والشِّرْكُ أَشْمَلُ مِنْ هَذَا؛ فَيَشْمَلُ عبَادَةَ الأَوْلِيَاءِ والصَّالحين والملائكة والرُّسُل، وَعبَادَةَ الأَحْجَارِ والأَشْجَارِ.

فَيَشْمَلُ عبَادَةَ كُلِّ ما تَعلَّقَتْ بِهِ القُلُوبُ مِنْ دُونِ اللهِ عز وجل كَعبَادَةِ القُبُورِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.هَذَا أَكْبَرُ الشِّرْكِ، وَهُوَ يُحْبِطُ جَمِيع الأَعمَالِ؛ قَالَ تَعالَى: ﴿وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [الأنعام: 88].

فَمَنْ تَعلَّقَ بِغَيْرِ الله في جَلْبِ نَفْع أَوْ دَفْع ضُرٍّ، فَقَدْ أَشْرَكَ بالله عز وجل وبالتَّالي تَكُونُ عبَادَتُهُ هَبَاءً مَنْثُورًا؛ قَالَ اللهُ جل وعلا: ﴿وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا [الفرقان: 23] اللهُ سَمَّاهُ عمَلاً، لَكِنَّهُ هَبَاءٌ مَنْثُورٌ؛ لأنَّه لم يَخْلُصْ لله عز وجل.

وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡ‍َٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡ‍ٔٗا [النور: 39] لاحِظُوا يَا عبَادَ اللهِ؛ سَمَّاهَا أَعمَالاً، فَدَلَّ علَى أَنَّهُمْ يَعمَلُونَ، وَأَنَّهُمْ أَتْعبُوا أَنْفُسَهُمْ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ عمَلُهُم علَى غَيْرِ أَسَاسٍ صَحِيحٍ، صَارَ مِثْلَ السَّرَابِ الَّذِي هُوَ انْعكَاسُ شُعاع الشَّمْسِ فِي القِيعانِ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ، حَتَّى إذا رَأَيْتَهُ مِنْ بُعدٍ، ظَنَنْتَهُ مَاءً يَجْرِي؛ لأنَّ شَكْلَهُ شَكْلُ المَاءِ. كَذَلِكَ عمَلُ الكَافِرِ شَكْلُهُ شَكْلُ العمَلِ.

ثمَّ مَاذَا تَرَوْنَ حَالَةَ هَذَا الإِنْسَانِ الظَّمْآَنِ الَّذِي تَعبَ، وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى هَذَا الَّذِي يَحْسَبُهُ مَاءً لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا؟ مَاذَا تَكُونُ حَالَتُهُ؟


الشرح