ذَكَرَ اللهُ سبحانه وتعالى في هَاتَيْنِ
الآَيَتَيْنِ أصناف المَدْعوِّينَ، وأنَّ الدَّاعيَةَ يُعامِلُ كُلَّ فِئَةٍ بِمَا
يَتَنَاسَبُ مَعهَا.
الصِّنْفَ
الأوَّل: الجُهَّالَ الَّذِينَ ليس عندهم عنَادٌ وليس عندهم
إصرار على الخطأ، وإنَّما وقعوا في الخطأ عنْ جَهْلٍ، فهؤلاء يَكْفِي أن يُبَيِّنَ
لهم الحَقَّ، فإذا بَيَّنَ لهم الحَقَّ، انتقلوا إليه، وتركوا ما هم عليه من
الخطأ.
إِنَّ
هَؤُلاءِ لا يَحْتَاجُونَ إِلاَّ إِلَى البَيَانَ؛ لأنَّهم وَقَعوا في الخَطَأ
مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وهم يريدون الحَقَّ، فَلَمَّا بُيِّنَ لهم الحَقُّ،
انْتَقَلُوا إليه، وَتَرَكُوا ما هُمْ علَيْهِ. هَذِهِ فِئَةٌ مِنَ النَّاس
يَكْفِي فيها أَنْ تُبَيِّنَ لها الحَقَّ، وأن تُرَغِّبَهَا فيه، وهي لا تُرِيدُ
إِلاَّ الحَقَّ، وَتَدُورُ مَع الحقِّ، والحقُّ ضَالَّتُهَا، فإذا بُيِّنَ لها
انْتَقَلَتْ إليه.
الصنف
الثاني: من إذا بُيِّنَ له الحَقُّ، وبيِّن ما هو عليه من
الخطأ، يتكاسل عن الانتقال من الخطأ إلى الصَّواب، ويكون عنده فُتُورٌ، فهذا يحتاج
إلى مَوْعظَةٍ بَعدَ البيان، وأن تُبَيِّنَ لَهُ عقُوبَةَ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ
الحَقُّ وَلَمْ يَقْبَلْهُ، ولم يُبَادِرْ إِلَيْهِ، كما قال الله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ
أَفِۡٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهِۦٓ أَوَّلَ مَرَّةٖ﴾ [الأنعام: 110] فالَّذي جَاءَهُ الحَقُّ وَلَمْ
يَقْبَلْهُ وَلَمْ يُسَارِع إِلَيْهِ، يُخْشَى عليه مِنَ الزَّيْغِ، وَمِنْ
تَقَلُّبِ القَلْبِ.
الصِّنْفُ
الثَّالِثُ: مَنْ يَكُونُ عنْدَهُ جِدَالٌ؛ بَعدَ أن تُبَيِّنَ
له الحَقَّ، يَعرِضُ شُبُهَاتٍ وَيَعرِضُ إِشْكَالاتٍ يُرِيدُ بِهَا رَدَّ
الحَقِّ، فهذا يحتاج إلى جدال بالطَّريقة التي تُوَصِّلُ إلى الحَقِّ، ولا يترتَّب
عليها تنفير، أو يترتب عليها عنْفٌ، بل جِدَالٌ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، كما قال
تعالى: ﴿وَلَا
تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِينَ
ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ﴾
[العنكبوت: 46] فهذا يحتاج إلى جِدَالٍ؛ لِرَدِّ مَا يُدْلِي بِهِ مِنَ
الشُّبُهَاتِ.