والله سبحانه وتعالى أَثْنَى علَى الدُّعاةِ إلى
الله؛ قال تعالى: ﴿وَمَنۡ
أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي
مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٣وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ
بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ
وَلِيٌّ حَمِيمٞ ٣٤﴾ [فصلت:
33- 34] فأخبر أنَّ الدُّعاةَ إلى الله هم أَحْسَنُ النَّاس قَوْلاً، وَأَيْضًا
وَصَفَ الدُّعاةَ بِأَنَّهُمْ يَعمَلُونَ بِمَا يَدْعونَ النَّاسَ إِلَيْهِ ﴿وَمَنۡ
أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾
[فصلت: 33]؛ فالدَّاعيَةُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَمْتَثِلُ بِمَا
يَدْعو إِلَيْهِ مِنَ الطَّاعةِ والعبَادَةِ؛ حتَّى يَكُونَ قُدْوَةً صَالِحَةً،
وَحَتَّى تُصَدِّقَ أَقْوَالَهُ أَعمَالُهُ.
وَلِهَذَا
يَقُولُ نَبِيُّ الله شُعيْبٌ عليه السلام: ﴿وَمَآ أُرِيدُ أَنۡ أُخَالِفَكُمۡ إِلَىٰ مَآ
أَنۡهَىٰكُمۡ عَنۡهُۚ إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا
تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88] وَقَوْلُهُ تَعالَى: ﴿وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]؛ أي: يَنْتَسِبُ إلى الإسلام، وإلى
المسلمين، وجماعة المسلمين؛ لا يَنْتَسِبُ إلى أَحَدٍ سِوَى المسلمين.
ثمَّ
يُبَيِّنُ اللهُ سبحانه وتعالى أَنَّ الدَّاعيَةَ إلى الله يَتَعرَّضُ إلى أذىً
مِنَ النَّاس، ولكن أَوْصَاهُ بِأَنْ يَدْفَع بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
فإذا
أساء أَحَدٌ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقَابِلُ الإِسَاءَةَ بالإحسان؛ لأنَّ هَذَا
يَبْعثُ علَى قَبُولِ دَعوَتِهِ؛ ﴿وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ
بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾
[فصلت: 34].
فالدَّاعيَةُ
حِينَمَا يُؤْذَى، فإنَّه لا يَلْتَفِتُ إلى مَا يُقَالُ، وَمَا يُفْعلُ ضِدَّهُ.
وأيضًا يُقَابِلُ الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ؛ فَيُحْسِنُ إلى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ
مِنْ أَجْلِ أَنْ يَجْتَلِبَ النَّاسَ إِلَى الخَيْرِ؛ لأنَّه لا يريد الانتصار
لنفسه، وإنَّما يريد الخير للنَّاس.