ولهذا فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم
يَنْتَصِرْ لِنَفْسِهِ قَطُّ، وَإِنَّمَا يَغْضَبُ وَيَنْتَصِرُ إذا انتهكت
حُرُمَاتِ الله سبحانه وتعالى أمَّا هو في نَفْسِهِ، فهو يُؤْذَى وَيُقَالُ فيه
ويُتَكَلَّمُ فيه ولم يكن ينتصر لنفسه، بل يَحْتَسِبُ الأَجْرَ عند الله سبحانه
وتعالى.
وهذا
أيضًا مِنْ مُقَوِّمَاتِ الدَّعوَةِ؛ الإِحْسَانُ إلى المَدْعوِّينَ، وَإِنْ
أَسَاءُوا. هذا مِمَّا يَجْلِبُهُم إلى الخَيْرِ، وَيُرَغِّبُهُم في الخير، أمَّا
مقابلتهم بالإساءة، فإنَّ هذا يُنَفِّرُهُم: ﴿ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ﴾ [فصلت: 34].
ثُمَّ
بَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ صِفَةٌ عزِيزَةٌ؛ يعني: كَوْنَ الإنسان يصبر
ويتحمَّل، ويقابل الإساءة بالإحسان؛ هذه صفة عزيزة، فقال: ﴿وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ [فصلت: 35] هذه تحتاج إلى صَبْرٍ؛ وَهُوَ حَبْسُ
النَّفْسِ عنِ الجَزَع، حَبْسُ النَّفْسِ عن إرادة الانتقام والانتصار، تَوْطِينُ
النَّفْسِ، هذا مَا يُدْفَع به العدُوُّ الإِنْسِيُّ؛ يُدْفَع بالإِحْسَانِ
إِلَيْهِ؛ حتَّى تُجْتَلَبَ مَوَدَّتُهُ، ويتألَّف على الخير.
أمَّا
العدُوُّ الشَّيْطَانِيُّ فبيَّن الله ما يُدْفَع به، فقال: ﴿وَإِمَّا
يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ
ٱلۡعَلِيمُ﴾ [فصلت: 36] فالدَّاعيَةُ
إلى الله يَتَعرَّضُ لشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَشَيَاطِينِ الجِنِّ؛ أمَّا شَيَاطِينُ
الإِنْسِ فَيُقَابِلُهُم بالإحسان عن إساءتهم، وَالصَّفْحِ عن زِلَّتِهِمْ،
وَعدَمِ الالتفات إلى ما يقولون.
أمَّا
العدُوُّ الجِنِّيُّ فَإِنَّه يُدْفَع بالاستعاذة. هَذَا طَرِيقُ الدَّاعيَةِ
النَّاجِحِ؛ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ فِي دَعوَتِهِ إلى الله، وأنَّه لا يَفُتُّ فِي
عضُدِهِ أَوْ يَفِلُّ مِنْ عزْمِهِ أَنَّ فُلانًا أَسَاءَ إِلَيْهِ أَوْ تَكَلَّمَ
فِيهِ؛ لأنَّه لا يَدْعو لِنَفْسِهِ، ولا يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ.
وَإِنَّمَا يَدْعو إلى الله سبحانه وتعالى
فالدَّعوَةُ إلى الله مَعنَاهَا طَلَبُ الدُّخُولِ في دين الله عز وجل الَّذي
خَلَقَ الخَلْقَ من أَجْلِهِ، والَّذي تحصل به سَعادَتُهُمْ وَصَلاحُهُم
وَفَلاحُهُم.