فالرَّسولُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُفَصِّلْ،
وَالعلَّةُ مَوْجُودَةٌ؛ الفِتْنَةُ تُخْشَى عليها وهي في الطَّائرة؛ فالفتنة
غَيْرُ مَأْمُونَةٍ، ولو كانت في الطَّائرة.
ثمَّ
افترض أنَّ الطَّائرة مثلاً اعتراها ما يعتريها من تَغْيِيرِ مَسَارِهَا إلى
بَلَدٍ آَخَرَ، فَمَنْ يَسْتَقْبِلُهَا فِي البَلَدِ الآخَرِ؟ فَلا بُدَّ مِنْ
وُجُودِ المَحْرَمِ مَع المَرْأَةِ، حَتَّى إِنَّ رَجُلاً جاء إلى النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم وَقَالَ: يا رسول الله، إنِّي اكتتبت في غَزْوَةٍ كَذَا وَكَذَا،
وَإِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً. قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» ([1]).
النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم رَدَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَ الغَزْوَةِ؛ لِيَصْطَحِبَ
امْرَأَتَهُ فِي الحَجِّ، وَيَكُونَ مَحْرَمًا لها. فهذا دَلِيلٌ على اشتراط
المَحْرَمِ لِسَفَرِ المرأة في الحَجِّ أو لِغَيْرِهِ؛ سَوَاءٌ كانت مع مجموعة أم
لا.
وَلِهَذَا
ذَكَرَ الفُقَهَاءُ - رَحِمَهُمُ اللهُ تَعالَى - أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ
الحَجِّ علَى المَرْأَةِ، تَوَفُّرَ المَحْرَمِ، فإذا لم يتوفَّر لها، فَإِنَّهُ لا
يَجِبُ عليها الحَجُّ حتَّى يتوفَّر لها المَحْرَمُ. وكذلك حَرَّمَ الإِسْلامُ
خَلْوَةَ الرَّجُلِ بالمرأة؛ بأن يكون هو وإيَّاها في مَكَانٍ خَالٍ ليس فيه
غَيْرُهَا؛ لأنَّ ذلك مَدْعاةٌ لوقوع الفِتْنَةِ؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».
قَالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ - يَعنِي: قَرِيبَ الزَّوْجِ -
قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» ([2]).
يَعنِي أَنَّ خَطَرَهُ أَشَدُّ. لماذا؟ لأنَّ أَقْرِبَاءَ الزَّوْجِ يَقِلُّ التَّحَرُّجُ عنهم، بِخِلافِ غَيْرِهِمْ؛ فإنَّ التَّحَرُّجَ عنهم مُيَسَّرٌ، لكن قَرِيبُ الزَّوْجِ يحتاج إلى احْتِيَاطٍ وإلى حَذَرٍ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (5233)، ومسلم رقم (1341).