وهؤلاء هم الَّذين يَكُونُ وُجُودُهُمْ خَيْرًا
وَرَحْمَةً للأمَّة، وَفَقْدُهُم وبالاً ومصيبة على الأمَّة، وقد جاء في الحديث أو
في الأَثَرِ: «لإَِنْ تَمُوتَ القَبِيلَةُ
بِأَسْرِهَا أَيْسَرُ مِنْ أَن يَمُوْتَ عَالِمٌ وَاحِدٌ» ([1]).
ولم
يتمكَّن الشَّيطان من إيقاع الشِّرك في بَنِي آدَمَ إِلاَّ لمَّا فُقِدَ العلماء،
كما في الحديث في قصَّة نوح «...أَسْمَاءُ
رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ
إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ
أَنْصَابًا وَسَمُّوهُم بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى
إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ» ([2]).
أخذوا
بمشورة هذا الشَّيطان، وهو له نَظَرٌ بعيد، فهو يقول لهم: إنَّ هذا ينشِّطكم على العبادة،
وعلى تذكُّر أحوال هؤلاء؛ فهو أَظْهَرَ لهم النَّصِيحَةَ، ولكنَّهم لِجَهْلِهِم لم
يَفْطِنُوا إلى غَرَضِهِ الصَّحيح؛ أنَّه في المستقبل تكون هذه الصُّوَرُ
أَصْنَامًا تُعبَدُ مِنْ دُونِ الله.
هذا
غَرَضُهُ الَّذِي كان يُخْفِيهِ، وَأَمَّا الَّذي يُظْهِرُهُ فَهُوَ النَّصيحة
والتَّرغيب في الخَيْرِ؛ فهم لِجَهْلِهِم عمِلُوا بِمَشُورَتِهِ، وَصَوَّرُوا
صُوَرَ الصَّالِحِينَ، وَنَصَبُوهَا علَى مَجَالِسِهِمْ، ولكن العلماء كانوا لهم
بِالمِرْصَادِ، ولم يتمكَّن الشَّيْطَانُ مِنْ دَعوَةِ النَّاس إلى عبادة هذه
الصُّور؛ لوجود العلماء.
لكن لَمَّا مات هؤلاء العلَمَاءُ وَنُسِيَ العلم، جاء الشَّيطان إلى الجِيلِ المتأخِّر منهم، وقال لهم: إنَّ آَبَاءَكُمْ مَا نَصَبُوهَا إِلاَّ لِيَعبُدُوهَا. فَعبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللهِ، وَحَدَثَ الشِّرْكُ فِي بَنِي آَدَمَ مِنْ ذَلِكَ التَّارِيخِ.
([1]) أخرجه: البيهقي في الشعب رقم (1576).