×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

فَقَالَ ذَلِكَ الجَاهِلُ العابِدُ: لا تَوْبَةَ لك؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّ الذَّنْبَ العظيم لا يُغْفَرُ لِصَاحِبِهِ، فَقَتَلَهُ الرَّجُلُ لَمَّا قَالَ: ليس لك تَوْبَةٌ، وَكَمَّلَ به المِائَةَ.

ثُمَّ بَقِيَتْ نَفْسُهُ تُنَازِعهُ أَنْ يَتُوبَ إِلَى الله عز وجل وَلَكِنَّهُ لا يَدْرِي هَلْ لَهُ تَوْبَةٌ أَوْ لا؟ فَذَهَبَ إِلَى عالِمٍ مِنَ العلَمَاءِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ العالِمُ: نَعمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ ولكنَّك بأرض سُوءٍ، فَاخْرُجْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ فِيهَا أُنَاسًا يَعبُدُونَ اللهَ، فَاعبُدِ اللهَ مَعهُمْ.

أَمَرَهُ بالتَّوْبَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالهِجْرَةِ مِنْ بِلادِ السُّوءِ إلى بِلادِ الخَيْرِ، فَتَابَ الرَّجُلُ، وَخَرَجَ إلى البَلَدِ الطَّيِّبَةِ، وبينما هو في الطريق أدركته الوفاة، وَقُبِضَتْ رُوحُه في الطَّريق، فَتَخَاصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ العذاب وملائكة الرَّحمة.

وَمَلائِكَةُ العذاب يقولون: إنه لم يعمل خيرا قَطُّ، وملائكة الرحمة يقولون: إنه تاب إلى الله، وخرج مهاجرًا إلى الله وأنزل الله ملكًا يحكم بينهم فقال: قيسوا ما بين البلدتين البلدة التي خرج منها بلدة السوء والبلدة التي خرج إليها بلدة الخير، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى الأرض الطَّيِّبَةِ بِشِبْرٍ، فقبضته ملائكة الرَّحمة، ودخل الجنة.

كُلُّ هذا بسبب فتوى هذا العالِمِ الَّذي دله على الخير، فَانْظُرُوا الفَرْقَ بين فتوى العالم وفتوى الجاهل، وآثار كُلٍّ منهما، وهذا مَذْكُورٌ في قوله: ﴿۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ٥٤ [الزمر: 53- 54] وفي قوله 


الشرح