×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

وقال صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا؛ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي» ([1]).

·       ذم التفرق ومدح الاجتماع:

وما جاء التَّفَرُّقُ في الكتاب العزيز إلاَّ مذمومًا ومتوعَدًا عليه، وما جاء الاجتماع على الحقِّ والهدي إلاَّ محمودًا وموعودًا عليه بالأجر العظيم؛ لما فيه من المصالح العاجلة والآجلة.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنَّة أحاديث كثيرة تأمر بلزوم الجماعة.

قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً». قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» ([2]).

فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنَّه لا بُدَّ أَنْ يَحْصُلَ تَفَرُّقٌ في هذه الأمَّة، وهو لا يَنْطِقُ عن الهَوَى؛ لا بُدَّ أن يَحْصُلَ ما أخبره به صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإِخْبَارُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم معناه النَّهْيُ عن التَّفَرُّقِ، والتَّحذير من التَّفَرُّقِ. ولهذا قال: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً».

وَلَمَّا سُئِلَ عنْهَا صلى الله عليه وسلم ما هذه الواحدة النَّاجية؟ قال: «مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابِي».

فَمَنْ بَقِيَ على ما كان عليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو من النَّاجِينَ مِنَ النَّارِ، وَمَنِ اخْتَلَفَ عنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُتَوَعدٌ بالنَّارِ، على حسب بُعدِهِ عن الحقِّ؛ إن كانت فِرْقَتُهُ فِرْقَهَ كُفْرٍ وَرِدَّةٍ، فإنَّه يَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّار الخالدين فيها، وإن كانت فِرْقَتُهُ دون ذلك، فَإِنَّهُ مُتَوَعدٌ بالنَّار، لكنَّه


الشرح

([1])  أخرجه: الحاكم رقم (319)، والبيهقي رقم (4606).

([2])  أخرجه: الترمذي رقم (2641).