×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

وَفِسْقُ مَا دُونَ الكُفْرِ لا يُخْرِجُ مِنَ المِلَّةِ، لَكِنَّهُ يَنْقُصُ الإِيمَانَ؛ فَفِيهِ نَوْع خُرُوجٍ، لَكِنَّهُ لا يُخْرِجُ صَاحِبَهُ مِنَ الإِسْلامِ، ولا يَجْعلُهُ فَاجِرًا، بَلْ يَكُونُ فَاسِقًا.

وَيَكُونُ المُسْلِمُ فَاسِقًا إذا ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنْ كَبَائِرِ الذُّنوب؛ كالزِّنَا، وَشُرْبِ الخَمْرِ، والسَّرِقَةِ، وَأَكْلِ الرِّبَا، وما شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنوب إذا لم يَسْتَحِلَّهَا، وإنَّما ارْتَكَبَهَا عنْ هَوىً وَشَهْوَةٍ قَادَتْهُ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ يُعدُّ فَاسِقًا.

وَحُكْمُهُ عنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعةِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الإيمان، أو مُؤْمِنٌ بإيمانه، فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ؛ فَهُوَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَمِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وإذا لم تَكُنْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الشِّرْكِ المُخْرِجِ من المِلَّةِ، فإنَّه يَبْقَى له اسْمُ الإيمان، وَاسْمُ الإِسْلامِ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا، إلاَّ أنَّه نَاقِصُ الإيمان. وَهَذَا ما يسمَّى بالفسق، أو الفاسق.

وإذا فَعلَ كَبِيرَةً تَسْتَوْجِبُ الحَدَّ، أُقِيمَ علَيْهِ الحَدُّ، لكنَّه مع هذا يُعدُّ من المؤمنين، وَيُعامَلُ مُعامَلَةَ المؤمنين؛ لأنَّه لو لم يَكُنْ مِنَ المُؤْمِنِينَ، لما كَفَى إِقَامَةُ الحَدِّ علَيْهِ، بل كان لا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ؛ لأنَّ المُرْتَدَّ لا بُدَّ أن يُقْتَلَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ([1]).

فَكَوْنُ هذا العاصي يُقَامُ علَيْهِ الحَدُّ يَدُلُّ علَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الإيمان، وَيُعامَلُ مُعامَلَةَ المُؤْمِنِينَ، وَيُوَالَى بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الإيمان، وَيُبْغَضُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ من المَعصِيَةِ؛ لأنَّه لم يخرج عن دائرة الإيمان، وهذا هو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3017).