×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثالث

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ»، قَالُوا: مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «بَلْ مِنْكُمْ» ([1])؛ يَعنِي: من الصَّحابة؛ لأنَّ الصَّحابة كانوا مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم وكان المُنَاصِرُ لَهُمْ كَثِيرًا.

لكن المتمسِّك بالسُّنَّة في آخر الزَّمان، وعند ظهور الفِتَنِ، ليس له أَنْصَارٌ، بل أَكْثَرُ النَّاس أَضْدَادٌ له، حتَّى من الَّذين يدَّعون أنَّهم على الإسلام يكونون أضدادًا له، يخجِّلونه ويوبِّخونه ويخطِّئونه، فيحتاج إلى صبر. فلذلك صار له هذا الأجر العظيم؛ بسبب ثَبَاتِهِ على الحَقِّ عند ظهور الفِتَنِ، وَكَثْرَةِ العوارض.

وَوَصَفَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بـ: الغُرَبَاءِ، قال: «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ» ([2]). وفي رِوَايَةٍ: «يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ» ([3])؛ فَهَذَا يُطْلِعنَا على أَمْرٍ عظِيمٍ سَيَحْصُلُ في آَخِرِ الزَّمان؛ فعلينا أن نسأل الله سبحانه وتعالى الثَّبَاتَ، والوفاة على الإسلام، وعلينا مع ذلك أن نَجِدَّ في معرفة الحقِّ وأهله، ومعرفة الباطل وأهله؛ حتَّى نكون مع الحَقِّ ومع أهله، وَنَحْذَرَ من الباطل وَأَهْلِهِ، وذلك إنَّما يحتاج إلى الفقه في الدِّين.

هذا لا يَتَأَتَّى مِنْ جَاهِلٍ؛ إِنَّمَا يَتَأَتَّى ممَّن رَزَقَهُ اللهُ الفِقْهَ في الدِّين، والبَصِيرَةَ بالعلم النَّافع الَّذي يُمَيِّزُ به بين الهُدَى والضَّلال، وبين الغَيِّ والرُّشْدِ، وبين الحَقِّ والباطل؛ فالنَّجَاةُ مِنْ هَذِهِ الفِتَنِ العظيمة عزِيزَةٌ، وأنتم تَرَوْنَ الآن ما يَمُوجُ به العالَمُ مِنْ فِتَنٍ عظيمة.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (4341)، والترمذي رقم (3058).

([2])  أخرجه: أحمد رقم (16690).

([3])  أخرجه: الترمذي رقم (2630).