«لاَ
تُطْرُوني»، يعني لا تبالغوا في مدحي «كَمَا
أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ؛ فَقُولُوا:
عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»؛ ليس لي من الربوبية ولا من الألوهية شيء، أنا عبد
من عباد الله، «فَقُولُوا: عَبْدَ اللهِ
وَرَسُولُهُ» ([1]).
«قولوا: عبد الله»؛ لأن الله وصفه
بالعبودية: ﴿إِن كُنتُمۡ
ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ
يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ﴾ [الأنفال: 41]، ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ
بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا﴾ [الإسراء: 1]، فهو
عبد الله عز وجل، ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي
رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا﴾ [البقرة: 23].
فالعبودية لله أشرف المقامات التي نالها البشر، ومحمد صلى الله عليه وسلم
في قمتها؛ فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب؛ بل يطاع ويتبع صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «ورسوله»: فلا يكفي أنك
تشهد أنه عبد الله، لا بد أن تشهد أنه رسول الله، فهو مع كونه رسول الله هو عبد
الله، ليس ملكا من الملائكة، وليس له من حقوق الله شيء، وإنما هو بشر؛ كما قال
الله جل وعلا له: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ
أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ
وَٰحِدٞۖ﴾ [الكهف: 110]، فهو بشر مولود من أم وأب من قريش ومن بني
هاشم، فهو من السلالة البشرية، ولكن الله فضله بالرسالة ﴿ذَٰلِكَ
فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54]،
فليس من حقوقه صلى الله عليه وسلم أن يعطى شيئًا من حقوق الله.
قال ابن القيم رحمه الله في «النونية»:
لله حَقٌّ لا يَكُونُ لِغَيْرِهِ **** وَلِعَبْدِهِ
حَقٌّ هُمَا حَقَّانِ
لاَ تَجْعَلُوا الحَقَّيْنِ حَقًّا وَاحِدًا **** مِنْ غَيْرِ تَمْييزٍ وَلا فُرْقَانِ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3445).