الرسول صلى الله عليه وسلم
في المدينة ليتلقوا عنه العلم، ثم من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يفدون إلى
العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، ثم بعد ذلك أنشئت دور العلم مثل هذه الجامعة
المباركة، ورتبت وهيئت للطلاب، وجلب لها المدرسون، ووفرت لها الكتب المختارة
والمقررات المفيدة، فهذا تنظيم الطلب العلم، وإعانة على الحصول عليه، فهي من نعم
الله عز وجل وتيسيره لهذه الأمة، ولهذه الجامعة بالذات -الجامعة الإسلامية- انبثق
منها خير كثير، وتخرج منها أفواج تلو أفواج، كلهم ينتشرون في بلاد الله شرقا وغربا،
وينشرون هذا العلم في الأرض، فوصل العلم إلى أقطار الأرض على أيدي طلاب هذه
الجامعة وأمثالها، وتحقق قول الله جل وعلا: ﴿فَلَوۡلَا
نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ﴾ [التوبة: 122]،
والفقه هو الفهم، فقوله: ﴿ل لِّيَتَفَقَّهُواْ﴾: أي ليتفهموا في
الدين؛ لأن الدين لا يقوم إلا على علم؛ لا يقوم على اجتهاد الناس أو تصورات الناس
وإنما يقوم على العلم، والعلم لا يحصل إلا بالتلقي، لا من مجرد مطالعة الكتب أو
حفظها، والتلقي لا يكون إلا عن العلماء المؤهلين، هكذا طلب العلم.
واليوم وأنتم -ولله الحمد- في هذه الجامعة المباركة تنهلون من العلم ميسرا
لكم، مهيأة لكم أسبابه، هذا من نعم الله عليكم. ثم إن المطلوب ليس أن تخزن العلم
في صدرك، وإنما المقصود أن تنشر هذا العلم الذي رزقك الله سبحانه وتعالى، إنما أنت
ناقل لهذا العلم من مصادره إلى المحلات المحتاجة إليه، وربما أن يكون عالم واحد
يحيى به الله عز وجل أمه كثيرة وبلادا كثيرة؛ لأن هذا العلم مبارك وفيه بركة،
فلذلك يدخل في القلوب وينير البصائر، وقليل من العلم المؤصل ينفع الله به كثيرًا،