قال الشاعر:
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما **** تموت الأفاعي من سموم
العقارب
فقد هدَّ قدمًا عرش إبليس هدهدٌ **** و كم أفسد الجرذان
من سد مأرب
﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ
سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ﴾، انبثق عليهم هذا السد، فأهلك مزارعهم وديارهم، ثم
تفرقوا في البلاد، وصار يضرب بهم المثل في التفرق في الجزيرة العربية، فبعضهم رحل
للشام، وبعضهم استوطن المدينة، وبعضهم للعراق، بدلا أن كانوا مجتمعين في سبأ، قال
تعالى: ﴿فَجَعَلۡنَٰهُمۡ
أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ
لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ﴾ [سبأ: 19]، فهذه عاقبة كفران النعمة وعدم شكرها.
ومن النعم عليهم: أن الله أمَّن السبل بينهم وبين الشام، وجعلها محفوفة
بالثمار والمزارع، فيأكلون ولا يحملون معهم الزاد، قال تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ
وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا
ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ﴾ [سبأ: 18]، فكانوا
لا يحملون الزاد؛ لأنهم ينتقلون من قرية إلى قرية ويأكلون من البلد التي ينزلونها،
لكن ماذا قالوا في المقابل؟ ﴿فَقَالُواْ
رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا﴾ [سبأ: 19]، يقولون: مللنا
من هذه النعمة، ونريد البر الخلي الذي ليس فيه شيء، ﴿فَقَالُواْ
رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ﴾ -والعياذ بالله-،
فظلموا أنفسهم بكفر النعمة، ولم يشكروها، ﴿فَجَعَلۡنَٰهُمۡ
أَحَادِيثَ﴾ يتحدث الناس عنهم، وعما أصابهم، ﴿وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ
مُمَزَّقٍۚ﴾ فرقناهم في الأرض بدل أن كانوا مجتمعين على هذه النعمة،
فهذه عاقبة من كفر بنعمة الله عز وجل ولم ىشكرها.