﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ﴾، وكانوا من قبل لا
يعرفون قرآنًا ولا كتابًا، ﴿وَيُزَكِّيهِمۡ﴾، أي: يطهرهم،
فالتزكية هنا التطهير، يطهرهم من الشرك، يطهرهم من الأخلاق السيئة، من النجاسات
المعنوية ومن النجاسات الحسية، ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ
ٱلۡكِتَٰبَ﴾، وهو: القرآن، ﴿وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾ [آل عمران: 164]،
وهي: السنة النبوية والفقه في دين الله عز وجل، فأصبحوا أساتذة الدنيا بدل أن
كانوا جهالاً أجلافًا، أصبحوا سادة الدنيا في العلم والتعليم والفقه وسائر الأمور
التي كانت الأمم قد استأثرت بها عنهم من قبل، ففتحوا المشارق والمغارب بالدعوة،
والعلم، والجهاد في سبيل الله، حتى سقطت بأيديهم أكبر دولتين في وقتهم: «دولة الفرس»، و«دولة الروم»، وأصبحت المملكة الإسلامية تشمل المشارق والمغارب، كما
قال جل وعلا: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ
أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ
كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة: 33]، فأظهره الله
على الدين كله، وصار ما بقي من الأديان خاضعا لدين الإسلام، يدفع أهله الجزية،
ويعيشون تحت حكم الإسلام.
هذه أكبر نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض عموما، وعلى العرب خصوصا، وأنزل عليه قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ﴾ أي: شرف ﴿وَسَوۡفَ تُسَۡٔلُونَ﴾ [الزخرف: 44]، عن هذه النعمة، لأنه أكبر نعمة أنعم الله بها على هذه الأمة، إذا ما تمسكت بها وسارت عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ الله وَسُنَّتِي» ([1]).
([1]) أخرجه: الدارقطني رقم (4606)، والحاكم رقم (319)، والبيهقي رقم (20337).