وفي الصيف يرحلون إلى
الشام للتجارة، فهذا من نعمة الله عليهم ولم يشكروها، حين قال لهم: ﴿فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ
هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ﴾ [قريش: 3]، أي: الكعبة، فالكعبة من نعم الله على العرب؛
لأنها البيت الذي بناه إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ فهو أكبر نعمة بعد القرآن،
والبيت مكان للعبادة: ﴿فَلۡيَعۡبُدُواْ
رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ﴾، لم يقل: فليعبدوا هذا البيت؛ لأن العبادة لله سبحانه
وتعالى،﴿فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ
هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ ٣ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ ٤﴾ [قريش: 3- 4]، أي:
أغناهم من الفقر، ﴿وَءَامَنَهُم
مِّنۡ خَوۡفِۢ﴾، لهذا أكبر النعم، فالصحة في الأبدان، والاستقرار في
الأوطان؛ والرزق الذي به غذاء الأبدان؛ هذا من أكبر النعم على المسلمين، فيجب
شكرها، وعدم كفرها.
ولما لم يقبلوا هذه النعمة قال الله جل وعلا فيهم: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ
مَثَلٗا قَرۡيَةٗ﴾، يعني: أهل مكة، ﴿وَمَن يَعۡمَلۡ
مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا يَخَافُ ظُلۡمٗا وَلَا هَضۡمٗا ١١٢وَكَذَٰلِكَ
أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ ٱلۡوَعِيدِ
لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا ١١٣﴾ [النحل: 112- 113]،
هو محمد صلى الله عليه وسلم﴿فَكَذَّبُوهُ﴾، كفروا هذه النعمة،
فماذا حلَّ بهم؟ حلَّ بهم أن الله أزالهم وفتح مكة لرسوله صلى الله عليه وسلم
والمؤمنين، وزالت سلطة قريش عن هذا البلد؛ لأنهم كفروا نعمة الله عليهم.
وهذه سُنة الله في خلقه، فنحن إذا لم نشكر نعم الله علينا -وكما ترون- فإن الله بالمرصاد سبحانه وتعالى، فالذي حل بمن قبلنا لما كفروا بنعمة الله يحل بنا، ﴿أَلَمۡ نُهۡلِكِ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٦ثُمَّ نُتۡبِعُهُمُ ٱلۡأٓخِرِينَ ١٧كَذَٰلِكَ نَفۡعَلُ بِٱلۡمُجۡرِمِينَ ١٨﴾ [المرسلات: 16- 18]، فعلينا أن نخاف الله سبحانه وتعالى. والشكر -يا عباد الله- ليس هو باللسان فقط، الشكر له أركان ثلاثة، لا بد أن تتحقق جميعًا، فإذا فقد واحد منها لا يحصل الشكر.