×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الخامس

وهذا استنباط عجيب؛ فالداعي إلى الله يخلص النية لله عز وجل حتى تثمر دعوته وتبقى وتستمر، فيدعو إلى الله عز وجل لا إلى فلان وعلان، ولا إلى مذهب معين، وإنما يدعو إلى الله عز وجل فقط.

قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ [فصلت: 33]، ادع إلى الله لا إلى شيء آخر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أعطاه الراية في يوم خيبر: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِْسْلاَمِ...»، أي: ادعهم إلى الإسلام قبل أن تقاتلهم، «... فَوَ اللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» ([1])، إذا اهتدى به رجل واحد، فكيف إذا اهتدت به أمم وأجيال ثم أجيال، ثم أجيال إلى يوم القيامة؟ فإن الأجر يكون أعظم فلا يعلم عظمه إلا الله سبحانه وتعالى.

فهذا الإمام إنما قام يدعو إلى الله، ليس معه مال وليس معه مغريات، ولا ميزانيات ودعايات، وإنما يدعو إلى الله، ولما أخرج من العيينة ذهب يمشي إلى الدرعية، وليس معه إلا مروحته اليدوية، يُروح بها عن وجهه وهو يقول: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا [الطلاق: 2]، فحصل له ما أمله في الله عز وجل، وجعل له مخرجًا وقيض له أنصارًا.

ومن الحكمة في طريقة دعوته: أنه بدأ بولاة الأمور؛ كي يعينوه ويحموه حتى يبلغ دعوة ربه عز وجل؛ لأن بعض الدعاة الآن يعادون ولاة الأمور، وهذا ليس من منهج الدعوة، منهج الدعوة أن تبدأ بولي الأمر ليكون معك، أو على الأقل لا يعترضك، فهذا من الحكمة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3009)، ومسلم رقم (2406).