فالموقف موقف عظيم ومهم،
فليتنبه له كل خطيب، ليست الخطبة مجرد كلام يُقال ويسد فراغ، الخطبة مسؤولية،
والخطبة توجيه، والخطبة فتوى، والخطبة تعليم، فينتفع بها من شاء الله من الحاضرين
وغيرهم ممن بلغتهم، فعليه أن يستعد لذلك، وأن يختار كلامًا صالحا مفيدًا موجها،
يعتمد على الدليل من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا
يحتفظون بالخطب في الأول في الكتب ويتوارثونها، والآن جاء دور التسجيل والاحتفاظ
بها، كما تعلمون، فتنتشر، فليكن هذا على بال الخطيب والواعظ والمذكر والمدرس،
فليكن له على بال أن كلامه هذا سيسجل، وسيستمع إليه مختلف الناس قريبا وبعيدا، ولا
يكن همه تنميق الكلام، وإنما يكون همه أن يكون موافقا لكتاب الله، وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، وما عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، ولا يقتصر نفع خطبته أو محاضرته
أو درسه على الحاضرين، وإنما ينتشر حاضرًا ومستقبلاً.
فليكن لك أيها الخطيب -وفقك الله- ذلك على بال، أنت تقف كما وقف الرسول صلى
الله عليه وسلم، وكما وقف خلفاؤه رضي الله عنهم، وكما وقف علماء المسلمين من سلف
هذه الأمة، فأنت تمثلهم، فليكن ذلك على بالك، وتعد له عدته محتسبا الأجر عند الله
سبحانه وتعالى، وأنت مسؤول عما تقول، ستسأل أمام الله جل وعلا عما تقول، وستحاسب،
فعليك أن تفطن لهذا، وأن تصلح النية، وتصلح القول، وتتبعه بالعمل الصالح، فتكون
قدوة صالحة في نفسك قبل أن تتكلم، هذا ما يجب على خطيب الجمعة، وعلى المدرس وعلى
الواعظ وعلى المذكر وعلى الداعية إلى الله سبحانه وتعالى، فليس المقصود سد الفراغ
فقط، المقصود الإفادة والتعليم وصلاح النية.