والنبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلاً لما بعثه الله به قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ
الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ
مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ
الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللهُ
بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً
أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلاً».
هذه هي الطائفة المتمسكة بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصاب طائفة منها
أخرى أَجَادِبُ يعني: لا تنبت ولكنها تحفظ الماء، وهؤلاء هم حفاظ الحديث الذين
يقتصرون على حفظ الحديث ودراسته وصيانته، ودراسة أسانيده لمنع الكذب والدخيل على
سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الأولون هم الذين جمعوا بين الحفظ والفقه،
والطائفة الثانية: هم الذين أخذوا الحفظ ولم يعتنوا بالتفقه في الأحاديث وهؤلاء
فيهم خير لأنهم حفظوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كالأرض المجدبة التي أمسكت
الماء للناس يرتوون منها، الحفّاظ: الناس يرجعون إليهم في رواية الحديث وأخذ
الحديث؛ وأما فقه الحديث فهذا مع الطائفة الأولى، هؤلاء يسمون فقهاء المحدثين.
فالطائفة الأولى: فقهاء المحدثين.
والطائفة الثانية: هم الحفاظ الذين اقتصروا على حفظ السنة وصيانتها
وحراستها؛ فيهم خير كثير مثل الأرض التي أمسكت الماء، لكنها لم تنبت.
والثالثة: «قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً
وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً»، فلا تمسك الأحاديث ولا حفظتها ولا صانتها ولا أنبتت
الكلأ وهو فقه الأحاديث، هؤلاء لا خير فيهم ولا فائدة منهم للناس، أما هم لأنفسهم
إذا كانوا صالحين ومستقيمين على طاعة الله؛ فخيرهم لأنفسهم،