فهذه الوصية في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: «فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً»
والبلاغة كما يقولون هي: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، «ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ» بالبكاء خوفًا من هذه الفتن، «وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلوبُ» يعني:
خافت منها القلوب، فقال قائل: «يَا
رَسُولَ الله، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعِ»، يعني فهموا منها أنها في
آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، «فَأَوْصِنَا»،
قال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله» هذه
واحدة.
«وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ
وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا»، ثم إذا ظهر الاختلاف بين الناس، «فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ
الرَّاشِدِينَ» أي: من بعدي، «أُوصِيكُمْ
بِتَقْوَى الله» تقوى الله كلمة جامعة؛ تجمع كل الخير، وقد أوصى الله سبحانه
وتعالى بها الأولين والآخرين.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ
وَصَّيۡنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِيَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُواْ
ٱللَّهَۚ﴾ [النساء: 131].
فأوصى الأولين والآخرين أن يتقوا الله عز وجل، والتقوى: أن تتخذ وقاية بينك
وبين المكروه ليقيك منه، ولا يقي من هذه الفتن التي تحدث إلا سنة الرسول صلى الله
عليه وسلم
«فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتِي» يعني: الزموا،
فكلمة «عَلَيْكُمْ» فعل أمر، أي:
الزموا، كما قال جل وعلا: ﴿عَلَيۡكُمۡ
أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ﴾ [المائدة: 105]،
أي: الزموا أنفسكم، فعليكم بتقوى الله، تقوى الله: هي فعل أوامره وترك نواهيه؛
طمعا في ثوابه وخوفًا من عقابه، وهي كلمة جامعة تجمع كل خصال الخير، عليكم بتقوى
الله، هذه واحدة.