و«التوحيد» مصدر «وَحَّد
توحيدًا»، ومعناه: إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة. فمَن أفرد الله
بالعبادة فقد وَحَّده، يعني: أفرده عن غيره. يقال: وَحَّد وثَنَّى وثَلَّث.
«وَحَّد» معناه: جَعَل الشيء واحدًا.
و «ثَنَّى» يعني: جَعَل الشيء اثنين.
و «ثَلَّث»: جَعَل الشيء ثلاثة... إلى
آخره.
قال: «وقول الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ
إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾».
«قول» بالجر، معطوف على «التوحيد»، والتوحيد مجرور بالإضافة.
وقد بدأ رحمه الله هذا الباب بهذه الآية: ﴿وَمَا
خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾ وفيها حصر بـ «ما» و «إلا»، وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون أسلوب الحصر. أي: وما خلقتُ الجن
والإنس إلاَّ لشيء واحد وغرض واحد هو العبادة. فدل على أن توحيد العبادة هو الأصل
الذي خَلَق الله عز وجل الخلق من أجله، وكفى بذلك أهمية!!
فهذه الآية فيها بيان الحكمة من خلق الجن والإنس، وهي أنهم خُلِقوا
للعبادة، فمنهم مَن عَبَد الله، ومنهم مَن عَبَد غير الله؛ كما قال عز وجل: ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي
كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ
فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ﴾ [النحل: 36].
فالأصل أن الله عز وجل خلقهم للعبادة، فمَن قام بذلك قام بالواجب واستحق
الجزاء من الله سبحانه وتعالى. ومَن أخلَّ بذلك استحق العقوبة من الله عز وجل؛
لأنه فَعَل غير ما خُلِق له.