أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، وتَسْوَدُّ
وُجُوهُ أَهْلِ الفُرْقَةِ والضَّلاَلَةِ.
في
هَذِهِ الآيَاتِ يُذَكِّرُ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ بِنِعْمَتِهِ، ويَحُثُّهُم عَلَى
التَّمَسُّكِ بِدِينِهِ، فَمَنْ قَرَأَ التَّارِيخَ وعَرَفَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ
الجَاهِلِيَّةُ من تَفَرُّقِهَا واخْتِلاَفِهَا وتَنَاحُرِهَا وتَشَتُّتِهَا في
جَزِيرَةِ العَرَبِ، بَلْ مَا عَلَيْهِ العَالَمُ كُلُّهُ حِينَذَاكَ مِنْ
تُفَرُّقٍ واخْتِلاَفٍ قَبْلَ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم فالعَرَبُ لَم يَكُنْ
لَهُم دَوْلَةٌ تَجْمَعُهُم، ولا رَابِطَةٌ تَرْبُطُهُم، بَلْ كُلُّ قَبِيلَةٍ
تَحْكُمُ نَفْسَهَا بِنَفْسِهَا حُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ، وكُلُّ قَبِيلَةٍ تُغِيرُ
عَلَى أُخْتِهَا تَسْبِي أَمْوَالَهَا ونِسَاءَهَا، ويَفْتَخِرُونَ بَالثَّأرَاتِ
والغَارَاتِ والقَتْلِ والتَّقْتِيلِ ونَهْبِ الضَّعِيفِ والاسْتِيلاَءِ عَلَى
النَّاسِ بِالظُّلْمِ والطُّغْيَانِ.
وكَانَتِ
الأُمَمُ في الفُرْسِ والرُّومِ تَتَجَاذَبُ العَرَبَ، كُلًّا يَتَّبِعُهُ قِسْمٌ
مِنَ العَرَبِ، الفُرْسُ في المَشْرِقِ، والرُّومُ في المَغْرِبِ، والعَرَبُ
أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، ولَيْسَ هُنَاكَ دِينٌ صَحِيحٌ إلاَّ بَقَايَا من دِينِ
أَهْلِ الكِتَابِ اليَهُودِ والنَّصَارَى، وعَلَى مَا فِيهِ من تَحْرِيفٍ
وتَغْيِيرٍ وتَبْدِيلٍ.
ومِلَّةُ
إِبْرَاهِيمَ غُيَّرَتْ في الحِجَازِ بِبَنِي إِسْمَاعِيلَ، حَلَّتْ مَحَلَّهَا
الوَثَنِيَّةُ حَتَّى كَانَ عَلَى الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ ثَلاَثمِائَة
وسِتُّونَ صَنَمًا، وكَانَتِ اللاَّتُ والعُزَّى ومَنَاة الثَّالِثَة الأُخْرَى،
وكَانَتْ في بُيُوتِ أَهْلِ مَكَّةَ أَصْنَامٌ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ صَنَمٌ،
هَذِهِ حَالَتُهُم السِّيَاسِيَّةُ وحَالَتُهُم الدِّينِيَّةُ وحَالَتُهُم
الاجْتِمَاعِيَّةُ، من تَفَرُّقٍ واخْتِلاَفٍ وتَسَلُّطٍ لِلفُرْسِ والرُّومِ
عَلَيْهِم.
فَلَمَّا
بَعَثَ اللَّهُ هَذَا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم ودَعَاهُم إِلَى الإِسْلاَمِ
وإِلَى التَّوْحِيدِ وإِلَى الرُّجُوعِ إِلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة
والسلام، هَدَى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَن سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ
فَاسْتَجَابَ، واشْتَدَّ أَذَى الكُفَّارِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وأَصْحَابِهِ إلاَّ مَن كَانَ لَهُ قَبِيلَةٌ تَحْمِيهِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم يُنَاصِرُهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ ويَحْمِيهِ