بِتَسْخِيرِ اللَّه تعالى، وكَذَلِكَ
أَصْحَابُهُ مَن كَانَ لَهُ قَبِيلَةٌ أو كَانَ لَهُ أُسْرَةٌ تَحْمِيهِ من أَذَى
الكُفَّارِ، ومَنْ لَيْسَ لَهُ قَبِيلَةٌ أو لَيْسَ لَهُ أُسْرَةٌ كَعَمَّارٍ
وبِلاَلٍ وصُهَيْبٍ وغَيْرِهِم فَإِنَّهُم يُؤْذَوْنَ أَشَدَّ الأَذَى.
وبَقِيَ
عَلَى ذَلِكَ ثَلاَث عَشَرَةَ سَنَة في مَكَّةَ عليه الصلاة والسلام، يَدْعُو
النَّاسَ إِلَى دِينِ اللَّهِ، لا يَفْتُرُ، ولا يَيْأَسُ، ولا يَكلُّ عليه الصلاة
والسلام، ويَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى القَبَائِلِ في المَوْسِمِ لَعَلَّهُ يَجِدُ من
يُنَاصِرُهُ ويَحْمِيهِ من أَذَى قَوْمِهِ «وأَذِنَ
لأَِصْحَابِهِ بالهِجْرَةِ إِلَى الحَبَشَةِ فَكَانَتِ الهِجْرَةُ الأُولَى»،
وكَانَ صلى الله عليه وسلم يَغْشَى النَّاسَ في مَجَامِعِهِم ويَدْعُوهُم إِلَى
اللَّهِ عز وجل فَيُسَفِّهُونَهُ ويَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، ويُؤْذُونَهُ عليه الصلاة
والسلام، إِلَى أَنْ أَتَاحَ اللَّهُ لَهُ نَفَرًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءُوا
حَاجِّينَ، وعَرَضَ دَعْوَتَهُ عَلَيْهِم، فَأَلْقَى اللَّهُ في قُلُوبِهِم
الإِيمَانَ، وكَانُوا قِلَّةً، والسَّبَبُ في ذَلِكَ أَنَّهُم كَانُوا
يُجَاوِرُونَ اليَهُودَ في المَدِينَةِ، واليَهُودُ أَهْلُ كِتَابٍ يَجِدُونَ في
كِتَابِهِم أَنَّ اللَّهَ سَيَبْعَث رَسُولاً في آخِرِ الزَّمَانِ صِفَتُهُ كَذَا
وكَذَا.
دُخُولُ الأَنْصَارِ في دِينِ اللَّهِ عز وجل ومُنَاصَرَتُهُم النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم
****
وكَانَتِ
اليَهُودُ يَتَوَعَّدُونَ بِهَذَا الرَّسُولِ خُصُومَهُم من الأَنْصَارِ،
ويَقُولُونَ: سَيُبْعَثُ نَبِيٌّ وسَنَكُونُ مَعَهُ ونَقْتُلُكُم، يَتَوَعَّدُونَ
كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم في قَوْلِهِ: ﴿وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ
عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة:
89]، فكَانَ كَلاَمُ اليَهُودِ هَذَا فِيهِ مَصْلَحَة لِهَؤُلاَءِ الأَنْصَارِ،
فَلَمَّا جَاءَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في مِنًى قَالُوا: إِنَّ
هَذَا الَّذِي تَتَوَعَّدُكُم بِهِ اليَهُودُ، فلا يَسْبِقُوكُم إِلَيْهِ،
فَاسْتَجَابُوا لَهُ وبَايَعُوهُ البَيْعَةَ الأُولَى في مِنًى، ورَجَعُوا إِلَى
قَوْمِهِم فَدعُوا إِلَى اللَّهِ في المَدِينَةِ فَأَسْلَمَ مِنْهُم نَفَرٌ
كَثِيرٌ، ثُمَّ جَاءُوا في المَوْسِمِ