مِنَ العَامِ القَادِمِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا
في المَوْسِمِ الأَوَّلِ، وبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعَةَ
العَقَبَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ جَاءُوا في المَوْسِمِ الثَّالِثِ أَكْثَرَ
وبَايَعُوهُ بَيْعَةَ العَقَبَةَ الأَخِيرَةَ عَلَى أَنْ يَحْمُوهُ وأَنْ
يَنْصُرُوهُ إِذَا هَاجَرَ إِلَيْهِم في بِلاَدِهِم، فَأَعْقَبَ ذَلِكَ الهِجْرَة
إِلَى المَدِينَةِ، «فَكَانَتِ الهِجْرَةُ
الثَّانِيَةُ»، هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَالَةٍ
ذَكَرَهَا تَعَالَى في كِتَابِهِ: ﴿وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ
أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ
ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]، خَرَجَ من
بَيْنِهِم وهُم يَتَرَصَّدُونَ لَهُ لِيَقْتُلُوهُ حَتَّى لا يُهَاجِرَ إِلَى
المَدِينَةِ، ولَكِنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ: ﴿وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ
كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ [التوبة:
32]، فَخَرَجَ مِن بَيْنِهِم عليه الصلاة والسلام، واخْتَفَى في غَارِ ثَوْرٍ
عِدَّةَ أَيَّام حَتَّى انْقَطَعَ الخَبَرُ والطَّلَبُ في أَثَرِهِ، ووَاصَلَ
السَّفَرَ إِلَى المَدِينَةِ وقَدِمَهَا فَوَجَدَ الأَنْصَارَ، ووَجَدَ الأَعْوَانَ،
ووَجَدَ الدَّارَ، ووَجَدَ الحِمَايَةَ والنُّصْرَةَ، وتَلاَحَقَ أَصْحَابُهُ
واجْتَمَعُوا في المَدِينَةِ، فَصَارَتْ لِلمُسْلِمِينَ دَوْلَةٌ، ثُمَّ صَارَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو أَعْدَاءَهُ ويَبْعَثُ بِالسَّرَايَا
والجُيُوشِ، وأَوَّلُ غَزْوَةٍ نَصَرَ اللَّهُ بِهَا الإِسْلاَمَ غَزْوَةُ بَدْرٍ
الكُبْرَى.
فَتْحُ مَكَّةَ
****
ثُمَّ
تَتَابَعَتِ الغَزَوَاتُ إِلَى أَنْ خَرَجَ صلى الله عليه وسلم في العَامِ
الثَّامِنِ مِنَ الهِجْرَةِ في رَمَضَانَ، وغَزَا أَهْلَ مَكَّةَ وفَتَحَهَا اللَّهُ
عَلَى يَدَيْهِ، ودَخَلَ النَّاسُ في دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وصَارَتِ
الوُفُودُ تَأْتِيهِ مِنَ القَبَائِلِ من مُخْتَلَفِ الجِهَاتِ، وأَنْزَلَ اللَّهُ
تعالى قَوْلَهُ: ﴿إِذَا
جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ
أَفۡوَاجٗا ٢فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا
٣﴾ [النصر: 1- 3]، الَّذِي
خَرَجَ مُنْذُ ثَمَانِي سَنَوَاتٍ مُخْتَبِئًا يَتَهَدَّدُهُ