الَّذِي يَكْرَهُهُ؛ لأَِنَّهُ يُسَبِّبُ
العَدَاوَةَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ﴾ [الحجرات: 11] ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَكُونُ قَدِ
اتَّصَفَ بالفِسْقِ، ﴿وَمَن
لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾
[الحجرات: 11] مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ ولَم يَتُبْ مِنْهُ فَهُوَ ظَالِمٌ،
وصَفَهُ بالفِسْقِ ثُمَّ بِالظُّلْمِ تَنْفِيرًا في هَذَا العَمَلِ.
ثُمَّ
قَالَ تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ﴾ [الحجرات: 12] لأَنَّ الظَّنَّ السَّيِّئَ من أَسْبَابِ
العَدَاوَةِ، فَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بالمُسْلِمِينَ لا تَجُوزُ، لأَِنَّ الأَصْلَ
في المُسْلِمِينَ الخَيْرُ والعَدَالَةُ، فَقَدْ يَظُنُّ النَّاسُ بَعْضَ
الظُّنُونِ بالمُسْلِمِ، ويَبْنُونَ عَلَيْهَا أَحْكَامًا، ويُقَاطِعُونَ
إِخْوَانَهُم المُسْلِمِينَ بِسَبَبِ تِلْكَ الظُّنُونِ الَّتِي يَظُنُّونَهَا.
ثُمَّ
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَ لَا
تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ﴾
[الحجرات: 12] أَيْ: لا تَتَّبِعُوا عَورَاتِ إِخْوَانِكُم المَسْتُورَةَ، ولَكِنْ
تَغَاضَوْا عَنْهَا، واسْتُرُوا عَلَيْهِم مَعَ نَصِيحَتِهِ في تَرْكِهَا؛ لأَِنَّ
مَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنيا و الآخِرَةِ، إِلاَّ إِذَا
كَانَتِ المَصْلَحَةُ في كَشْفِهِ، ذَلِكَ من أَجْلِ القَضَاءِ عَلَى الجَرِيمَةِ،
أو الحِفَاظِ عَلَى الأَمْنِ، فلا بَأْسَ من كَشْفِهِ؛ لأَِنَّ هَذَا مَصْلَحَتَهُ
أَرْجَحُ مِنَ المَفْسَدَةِ، فالتَّجَسُّسُ إِذَا كَانَ من مَصْلَحَةِ
المُسْلِمِينَ لِحِفْظِ الأَمْنِ، ورَدْعِ المُجْرِمِينَ، فَهَذَا مَطْلُوبٌ؛
لأَِنَّ مَصْلَحَتَهُ أَرْجَحُ من مَفْسَدَتِهِ، ومَضَرَّتَهُ لَوْ بَقِيَ
أَكْبَرُ مِنَ المَصْلَحَةِ في كِتْمَانِهِ.
ومِنْ أَسْبَابِ العَدَاوَةِ أَيْضًا الغِيبَةُ، وهِيَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْغَيْبَة ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قالوا يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ» ([1])، ثُمَّ صَوَّرَالغِيبَةَ بِأَقْبَحِ صُورَةٍ فَقَالَ تَعَالَى:
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2589).