×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

كَمَا أَرَادَ اللَّهُ تعالى، فالإِسْلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وحَّدَ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ بَعْدَ الفُرْقَةِ، فَقَدْ كَانُوا في الجَاهِلِيَّةِ مُتَفَرِّقِينَ بَعْضُهُم أَعْدَاء لِبَعْضٍ، فَأَبْنَاءُ القَبِيلَةِ الوَاحِدَةِ كَانُوا مُتَعَادِينَ، نَاهِيكَ عَنِ الفُرْقَةِ بَيْنَ القَبِيلَةِ وغَيْرِهَا، فَكَانَتِ الحُرُوبُ والنِّزَاعَاتُ مُسْتَمِرَّةً لا تَنْتَهِي، وكَانَ العَرَبُ مُتَمَزِّقِينَ ومُتَشَتِّتِينَ ومُتَبَاغِضِينَ، الوَلاَءُ بَيْنَهُم لِلقَبِيلَةِ فَقَطْ، وكُلُّ قَبِيلَةٍ تُحَارِبُ الأُخْرَى، والقَوِيُّ يَسْتَوْلِي عَلَى الضَّعِيفِ والظَّالِمُ يُسَيْطِرُ عَلَى المَظْلُومِ، هَكَذَا كَانَتْ حَالَةُ العَرَبِ بَلْ وحَالَةُ الأُمَمِ قَاطِبَةً قَبْلَ بَعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم.

ولَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالهُدَى ودين الحَقِّ، ودَعَا النَّاسَ إِلَى دِينِ اللَّهِ وطَاعَةِ اللَّهِ ورَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وآمَنَ مِنَ القَبَائِلِ مَن أَرَادَ اللَّهُ لَهُ الهِدَايَةَ، فَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُم، وقَامَتْ دَوْلَتُهُم وذَهَبَ مَا بَيْنَهُم مِنَ العَدَاءِ حَتَّى صَارُوا إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم: ﴿فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا [آل عمران: 103].

تَحَوَّلُوا مِنَ العَدَاوَةِ إِلَى الإِخْوَةِ بِنِعْمَتِهِ تعالى، وهِيَ نِعْمَةُ الإِيمَانِ واتِّبَاعُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَجْمَعْهُم مَالٌ أو طَمَعٌ، وإِنَّمَا جَمَعَهُم الإِيمَانُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ طَمَعٌ في الدُّنيا، أو مَالٌ قُدِّمَ لَهُم؛ لأَِنَّ هَذَا لا يُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ القُلُوبِ المُتَعَادِيَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ [الأنفال: 63] فالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَنْفَقَ مَا في الأَرْضِ جَمِيعًا مِنَ الأَمْوَالِ عَلَى أَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ فَلَنْ يَسْتَطِيعَ؛ لأَِنَّ المَالَ لا يَجْمَعُ القُلُوبَ، وإِنَّمَا الَّذِي يَجْمَعُهَا هُوَ الإِيمَانُ الَّذِي من عِنْدِ اللَّهِ تعالى، وقَدْ بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ﴿وَلَٰكِنَّ


الشرح