×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ [الأنفال: 63] بِأَيِّ شَيْءٍ؟ بالإِيمَانِ ﴿إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ [الأنفال: 63] فَصَارُوا بَعْدَ العَدَاوَةِ إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ مُتَنَاصِرِينَ مُتَنَاصِحِين كَمَا وصَفَهُم تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ [الحشر: 9].

فالإِيثَارُ عِنْدَ المُؤْمِنِينَ سَبَبُهُ الإِيمَانُ، فالمُؤْمِنُ يُقَدِّمُ حَاجَةَ أَخِيهِ عَلَى حَاجَتِهِ ولَوْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ بِهِ الحَاجَةُ إِلى دَرَجَةِ الخَصَاصَةِ، ولا يَقْدُمُ عَلَى هَذِهِ إلاَّ مَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بالإِيمَانِ، فالإِسْلاَمُ هُوَ دِينُ الحَقِّ الَّذِي وحَّدَ بَيْنَ القُلُوبِ المُتَنَافِرَةِ، وجَمَعَ بَيْنَ القُلُوبِ المُتَشَتِّتَةِ، فَتَجَاوَزَ المُسْلِمُونَ جَزِيرَةَ العَرَبِ إِلَى أَقْطَارِ الدُّنيا فَاتِحِينَ، فَكَانَتْ أُمَّةُ المُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الغَرب، ومِنَ الشَّمَالِ إِلَى الجَنُوب دَوْلَةً واحِدَةً لا تَغِيبُ عَنْهَا الشَّمْسُ، وبَلَغَ هَذَا الدِّينُ مَبْلَغَ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ [التوبة: 33] فَتَحَقَّقَ وعْدُ اللَّهِ تعالى، وظَهَرَ هَذَا الدِّينُ عَلَى سَائِرِ الأَدْيَانِ، واجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُ النَّاسِ من عَرَبٍ وعَجَمٍ، حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ لآِدَمَ,وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ,وَلاَ لأَِبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، إلاَّ بِالتَّقْوَى» ([1])، وقَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ [الحجرات: 13] بِهَذَا وحَّدَ الإِسْلاَمُ بَيْنَ القُلُوبِ والشُّعُوبِ، فَتَكَوَّنَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ الَّتِي تُغَطِّي سَائِرَ المَعْمُورَةِ، فلا يَجْمَعُ بَيْنَ القُلُوبِ ويُوَحِّدُ بَيْنَ المُخْتَلِفِينَ إلاَّ هَذَا الدِّينُ، ويُقْصَدُ بِالدِّينِ الدِّينُ الصَّحِيحُ؛ لأَِنَّ الدِّينَ المُزَيَّفَ لا يَجْمَعُ بَيْنَ القُلُوبِ، إِنَّمَا


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (5116)، والترمذي رقم (3956)، وأحمد رقم (23489)، والبيهقي في «الشعب» رقم (4774).