يُفَرِّقُ بَيْنَهَا ويُشَتِّتُهَا، قَالَ
تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ﴾ [الأنعام: 159] وهَذَا الدِّينُ الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ
القُلُوبِ فِيمَا سَبَقَ قَادِرٌ بِإِذْنِ اللَّهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ القُلُوبِ
في وقْتِنَا الحَاضِرِ، ومَا بَعْدَهُ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، كَمَا قَالَ
إِمَامُ دَارِ الهِجْرَةِ الإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رحمه الله: لا يُصْلِحُ
آخَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إلاَّ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا، فالَّذِي أَصْلَحَ
أَوَّلَهَا هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ، ولا يُصْلِحُ آخَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إلاَّ
الدِّينُ الصَّحِيحُ، والعَقِيدَةُ السَّلِيمَةُ بِاللَّهِ عز وجل والاقْتِدَاءُ
بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فلا يُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ
المُتَفَرِّقِينَ والمُخْتَلِفِينَ إلاَّ هَذَا الدِّين المُتَمَثِّلُ فِيمَا
جَاءَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل وسُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
تَعَالَى: ﴿فَإِن
تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ
تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ
تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59] خَيْرٌ في
الحَاضِرِ وخَيْرٌ في المُسْتَقْبَلِ، وتَأْوِيلاً، بِمَعْنَى: العَاقِبَةِ
والمَآلِ، فَهَذَا الدِّينُ يَحُلُّ جَمِيعَ النِّزَاعَاتِ، ويُعِيدُ الحَقَّ
إِلَى نِصَابِهِ إِذَا حُكِمَ بِهِ في النِّزَاعَاتِ والخُصُومَاتِ، قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ
فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ
تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾
[الشورى: 10] وقَالَ تَعَالَى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا
وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ
وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ﴾ [الشورى: 13].
فَإِقَامَةُ
هَذَا الدِّينِ تَجْمَعُ بَيْنَ قُلُوبِ المُخْتَلِفِينَ، وتُنْهِي الفُرْقَةَ
والاخْتِلاَفَ بَيْنَ النَّاسِ إِذْ أُقِيمَ إِقَامَةً صَحِيحَةً.
قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: نَرَى المُسْلِمِينَ اليَوْمَ مُخْتَلِفِينَ ومُتَفَرِّقِينَ، ونَقُولُ لَهُ: إِنَّهُم لَم يُقِيمُوا الدِّينَ كَمَا يَنْبَغِي، بَلْ دِينُهُم فِيهِ خَلَلٌ، لَيْسَ دِينًا قَائِمًا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تعالى، فَبِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ الخَلَلُ في إِقَامَةِ الدِّينِ يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ والاخْتِلاَفُ، فَلَوْ أُقِيمَ الدِّينُ كَمَا أَمَرَ تعالى مَا حَصَلَ هَذَا