وكَذَلِكَ أَمَانَةَ المَسْؤُولِيَّةِ فِيمَا
بَيْنَهُ وبَيْنَ الخَلْقِ، كُلٌّ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهُ
تعالى انْقِسَامَ هَذَا الإِنْسَانُ أَمَامَ هَذِهِ الأَمَانَةِ بَعْدَ
تَحَمُّلِهَا، فَقَالَ: ﴿لِّيُعَذِّبَ
ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ
وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ﴾ [الأحزاب: 73].
فَجِنْسُ
الإِنْسَانِ انْقَسَمَ في عَمَلِ الأَمَانَةِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تعالى إِلَى
ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ:
صِنْفٌ
فَرَّطَ فِيهَا ظَاهِرًا وبَاطِنًا، وهُم المُشْرِكُونَ
والمُشْرِكَاتُ، فَهَؤُلاَءِ ضَيَّعُوا الأَمَانَةَ ظَاهِرًا وبَاطِنًا،
لأَِنَّهُم كَفَرُوا بِاللَّهِ تعالى وأَشْرَكُوا بِهِ.
والصِّنْفُ
الثَّانِي: تَحَمَّلَهَا ظَاهِرًا، وضَيَّعَهَا في البَاطِنِ،
وهُم المُنَافِقُونَ والمُنَافِقَاتُ، وقَدْ وَعَدَ اللَّهُ الصِّنْفَيْنِ
بالعَذَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ
وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ﴾
[الأحزاب: 73]، وبَدَأَ بالمُنَافِقِينَ قَبْل المُشْرِكِينَ؛ لأَِنَّ كُفْرَهُم أَغْلَظُ
والعِيَاذُ بِاللَّهِ.
ثُمَّ
ذَكَرَ الصِّنْفَ الثَّالِثَ: وهُوَ الَّذِي تَحَمَّل
الأَمَانَةَ ظَاهِرًا وبَاطِنًا، وهُم المُؤْمِنُونَ، فَقَالَ تَعَالَى ﴿وَيَتُوبَ ٱللَّهُ
عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا﴾ [الأحزاب: 73].
فالحَاصِلُ
أَنَّ الإِنْسَانَ مُحَمَّلٌ بِمَسْؤُولِيَّةٍ مُنْذُ بُلُوغِهِ سِنَّ
التَّكْلِيفِ إِلَى أَنْ يَمُوتَ، ويَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَتُهَا والقِيَامُ
بِهَا، ويَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْرِيطُ والتَّسَاهُلُ في شَأْنِهَا، كُلٌّ حَسَبَ
حَالِهِ ولا يُوجَدُ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ إلاَّ وهُوَ مُتَحَمِّل الأَمَانَةَ،
فَهُوَ مُتَحَمِّلٌ أَمَانَةَ نَفْسِهِ بِأَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ،
ويُجَنِّبَهَا مَعْصِيَتَهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا
٨قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ١٠﴾ [الشمس: 7- 10]، وكَذَلِكَ مُحَمَّلٌ أَمَانَةَ
أَهْلِهِ ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ