×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

·       سَبَبُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ [الحجرات: 6] الآيَة:

وسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ كَمَا ذَكَرَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله وغَيْرُهُ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي معِيطٍ حِينَ بَعَثَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي المُصْطلق وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ من طُرُقٍ ومِنْ أَحْسَنِهَا مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ من طَرِيقِ الحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ والدِ جُوَيرِية بِنْت الحَارِثِ أَمّ المُؤْمِنِينَ ([1]). أَنَّهَا نَزَلَتْ في بَنِي المُصْطَلق قَبِيلَةً دَخَلَتْ في الإِسْلاَمِ وأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم من يَجْبِي الزَّكَاةَ مِنْهُم كَغَيْرِهِم مِنَ المُسْلِمِينَ ولَكِنْ جَاءَ الخَبَرُ أَنَّ هَذِهِ القَبِيلَةَ مَنَعَتِ الزَّكَاةَ وأَبَتْ أَنْ تُسَلِّمَهَا لِمَنْدُوبِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، ولَكِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم لَم يَتَسَرَّعْ في الأَمْرِ ولَم يُدَاهِم القَوْمَ حَتَّى أَنْزَل اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، ثُمَّ جَاءَ رَئِيسُ القَبِيلَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَذِرًا وبَيَّنَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْدُوبَهُ لَم يَصِلْ إِلَيْهِم واسْتَبْطَئُوهُ، واللَّهُ جل وعلا حَمَى نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَعَجَّلَ وأَنْ يَتَسَرَّعَ وأَنْ يُدَاهِمَ القَوْمَ وهُم لا ذَنْبَ لَهُم، وإِنَّمَا الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِم لَم يَصِلْ إِلَيْهِم لِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَهُمْ لَم يَمْتَنِعُوا من أَدَاءِ الزَّكَاةِ ومَا خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، وهَذِهِ الآيَةُ لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى هَذِهِ الحَادِثَةِ؛ لأَِنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَهِيَ قَاعِدَةٌ يَسِيرُ عَلَيْهَا المُسْلِمُونَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.

·       وُجُوبُ التَّثَبُّتِ:

فالتَّثَبُّتُ واجِبٌ إِذَا بَلَغَنَا عَنْ قَوْمٍ أو عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُم ارْتَكَبُوا مَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ القِتَال، واللَّهُ أَمَرَ ولِيَّ الأَمْرِ ومَنْ بِيَدِهِ الحَلُّ والعَقْدُ أَنْ يَتَثَبَّتَ من شَأْنِ هَؤُلاَءِ لَعَلَّ لَهُم عُذْرًا، ولَعَلَّهُ لَم يَصِحَّ مَا نُسِبَ إِلَيْهِم، ولِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ [الحجرات: 6] الآيَةِ.


الشرح

([1])  انظر: تفسير ابن كثير (4/ 223، 224)، وزاد المسير لابن الجوزي (7/ 460، 461).