×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

قِرَاءَةِ القُرْآنِ هُوَ مُجَرَّدُ التَّغَنِّي بِأَلْفَاظِهِ والتَّلَذُّذُ بِالصَّوْتِ الجَمِيلِ فَإِنَّ هَذَا لا يَكْفِي ولا يُفِيدُ، كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ اليَوْمَ فَقَدِ اتَّخَذُوا تِلاَوَةَ القُرْآنِ حِرْفَةً لِلتَّطْرِيبِ ولتشْنِيف الأَسْمَاعِ، يَتَلَذَّذُونَ بِسَمَاعِ القُرْآنِ ويلذِّذُون آذَانَهُم، ولَكِنَّهُم لَوْ سُئِلُوا عَنِ العَمَلِ والتَّطْبِيقِ لَم تَجِدْ إلاَّ القَلِيلَ فَهَذَا لا يَكْفِي ولا يُفِيدُ.

نَعَم مَطْلُوبٌ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بالقُرْآنِ والأَدَاءِ الحَسَنِ؛ لأَِنَّ هَذَا يُؤَثِّرُ، ولأَِنَّ هَذَا يَلِيقُ بالقُرْآنِ الكَرِيمِ، ولَكِنْ لا يَكُونُ هَذَا هُوَ المَقْصُودُ، بَلْ يَكُونُ المَقْصُودُ أَنْ يَنْتَفِعَ الإِنْسَانُ بالقُرْآنِ، وأَنْ يَسْتَفِيدَ ويَخْشَعَ إِذَا سَمِعَهُ.

والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَمِعَ القُرْآنَ من غَيْرِهِ، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ إِلَى قِرَاءَةِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وكَانَ ذَا صَوْتٍ حَسَنٍ.

وأَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ لِيَسْتَمِعَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَيْفَ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي»، فَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ من أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۢ بِشَهِيدٖ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا [النساء: 41]، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «حَسْبُكَ»، قَالَ: فالتَفَتَ إِلَيْهِ، يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ».

فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلمُسْتَمِعِ لِلقُرْآنِ أَنْ يَخْشَعَ ولا يَكُونُ مَقْصُودُهُ هُوَ التَّلَذُّذُ فَقَطْ، بَلْ المَقْصُودُ الخُشُوعُ من كَلاَمِ اللَّهِ تعالى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ [الأعراف: 204]، وهَذَا من آدَابِ المُسْلِمِينَ مَعَ القُرْآنِ: الاسْتِمَاعُ والإِنْصَاتُ، أَمَّا الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ أو يَسْتَمِعُ لِلقُرْآنِ لِمُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ بِهِ فَقَطْ


الشرح