فالإِنْسَانُ إِذَا اهْتَدَى بِأَنْ فَعَلَ مَا
أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وتَرَكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ اهْتَدَى،
ولا يَضُرُّهُ ضَلاَلَ الضَّالِّينَ وكَفْرَ الكَافِرِينَ، وإِنَّمَا إِثْمُهُم
عَلَى أَنْفُسِهِم، لَكِنْ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ الإِنْسَانَ يَتْرُكُ
الأَمْرَ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنْ المُنْكَرِ كَمَا فَهِمَ ذَلِكَ بَعْضُ
النَّاسِ؛ لأَِنَّ الَّذِي يَتْرُكُ الأَمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ
المُنْكَرِ وهُوَ يَسْتَطِيعُ القِيَامُ بِهِ لا يُعْتَبَرُ مُهْتَدِيًا؛ لأَِنَّ
المُهْتَدِيَ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، ومِنْ
أَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الأَمْرَ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ
المُنْكَرِ، فَإِذَا تَرَكَهُ لَم يَكُنْ مُهْتَدِيًا الهِدَايَةَ التَّامَّةَ،
واللَّهُ جل وعلا اشْتَرَطَ ﴿إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ﴾
[المائدة: 105]، ويَدْخُلُ فِيهِ الأَمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ
المُنْكَرِ.
فَإِذَا
قَامَ الإِنْسَانُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ والأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ
عَنِ المُنْكَرِ فَقَدْ اهْتَدَى، وبَعْدَ ذَلِكَ هَو لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَهْدِي
النَّاسَ بِأَنْ يَخْلُقَ الإِيمَانَ في قُلُوبِ النَّاسِ؛ لأَِنَّ هَذَا من
أَمْرِ اللَّهِ ﴿إِنَّكَ
لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ﴾ [القصص: 56].
فالهِدَايَةُ
الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ لِلإِيمَانِ هَذِهِ بَيْدِ اللَّهِ، أَمَّا
الهِدَايَةُ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى البَيَانِ والدَّعْوَةِ والأَمْرِ
بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ هَذِهِ يَسْتَطِيعُهَا الإِنْسَانُ،
يَسْتَطِيعُهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ويَسْتَطِيعُهَا كُلُّ من اقْتَدَى
بِهِ ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ
إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ
وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ
لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ ٥٣﴾ [الشورى: 52- 53].
فالرَّسُولُ
يَهْدِي بِمَعْنَى أَنَّهُ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ ويَأْمُرَ بالمَعْرُوفِ ويَنْهَى
عَنِ المُنْكَرِ ويَعْلَمُ الخَيْرَ عليه الصلاة والسلام وكَذَلِكَ أَتْبَاعُهُ
مِنَ النَّاسِ.