اللهَ
يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُْمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ
لَهَا دِينَهَا» ([1]).
قَالَ
الَمنَاوِي في فَيْضِ القَدِيرِ: «يَبْعَثُ»
أَيّ يُقَيِّضُ «لَهَا عَلَى رَأْسِ كُلِّ
مِائَةِ سَنَةٍ» أَي: مِنَ الهِجْرَةِ أو غَيْرِهَا، والمُرَادُ بِالرَّأْسِ
تَقْرِيبًا، «مَنْ» أَي رَجُلاً أو
أَكْثَرَ «يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»
أَي يُبَيِّنُ السُّنة من البِدْعَةِ ويُكْثِرُ العِلْمَ ويَنْصُرُ أَهْلَهُ،
ويَكْسِرُ أَهْلُ البِدْعَةِ ويُذِلُّهُم، قَالُوا: ولا يَكُونُ إلاَّ عَالمًا
بالعُلُومِ الدِّينِيَّةِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قَدِ
ادَّعَى كُلُّ قَوْمٍ في إِمَامِهِم أَنَّهُ المُرَادُ بِهَذَا الحَدِيثِ،
والظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُمُّ جُمْلَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ من كُلِّ طَائِفَةٍ وكُلُّ
صِنْفٍ من مُفَسِّرٍ ومُحَدِّثٍ وفَقِيهٍ ونَحْوِيٍّ ولُغَوِيٍّ وغَيْرِهم.
انْتَهَى.
أَقُولُ:
وفي زَمَنِنَا مَنْحُ لَقَبِ التَّجْدِيدِ لِكُلِّ جَاهِلٍ مُدَّعٍ يَظْهَرُ عَلَى
النَّاسِ بِآرَاءٍ شَاذَّةٍ وأَقْوَالٍ جَاهِلَةٍ، وهَذِهِ مُغَالَطَةٌ
وتَضْلِيلٌ، إِنَّمَا المُجَدِّدُ في الحَقِيقَةِ هُوَ العَالمُ بِشَرْعِ اللَّهِ
المُسْتَقِيمُ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَرُدُّ
النَّاسَ إِلَى الهُدَى.
وقَدْ وقَعَ مِصْدَاقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في هَذَا الحَدِيثِ، فلا يَزَالُ والحَمْدُ لِلَّهِ فَضْلُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ يَتَوَالَى بِظُهُورِ المُجَدِّدِينَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الحَاجَةِ إِلَيْهِم، ومِنْ هَؤُلاَءِ المُجَدِّدِينَ: الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حنبل في القَرْنِ الثَّالِثِ، وشَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تيميةَ في آخَرِ القَرْنِ السَّابِعِ وأَوَّلِ الثَّامِنِ، وشَيْخُ الإِسْلاَمِ مُحَمَّدُ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ في القَرْنِ الثَّانِي عَشَرٍ، وغَرَضُنَا في هَذِهِ الكَلِمَةِ المُوجَزَةِ أَنْ نُبَيِّنَ الحَقِيقَةَ ونَزِيلَ الشَّبَهِ والتَّعْمِيمِ اللَّذَيْنِ رَوَّجَ لَهُمَا أَعْدَاءُ السُّنَةِ ضِدَّ الإِمَامِ الجَلِيلِ والمُجَدَّدِ الكَبِيرِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تيمية عِنْدَ مَنْ لَم تَتَوَفَّرْ لَهُ المَعْلُومَاتُ الكَافِيَةُ عَنْهُ وعَنْ عِلْمِهِ
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4291)، والحاكم رقم (8592)، والداني في «الفتن» رقم (364).