الصَّافِي الغَزِيرِ، فَإِنَّ كَثِيرًا من
خُصُومِهِ وحَاسِدِيهِ قَدِيمًا وحَدِيثًا اخْتَلَقُوا حَوْلَهُ الأَكَاذِيبُ
واتَّهَمُوهُ زُورًا وبُهْتَانًا بِاتِّهَامَاتٍ كَثِيرَةٍ وكَتَبُوا ضِدَّهُ
كِتَابَاتٍ شَوَّهَتِ التَّارِيخَ وسَرَّتْ أَعْدَاءَ الإِسْلاَمِ، ولَكِنْ
والحَمْدُ لِلَّهِ طَوَى النِّسْيَانُ ذِكْرَهُم ومَحَى الحَقُّ مَا كَتَبُوهُ من
ضَلاَلٍ، وبَقِيَ ذِكْرُ شَيْخِ الإِسْلاَمِ دَائِمًا عِطْرًا في الأَوْسَاطِ
العِلْمِيَّةِ وتَتَلْمَذَ عَلَى كُتُبِهِ الأَفْوَاجُ تِلْوَ الأَفْوَاجِ
وأَصْبَحَتْ مُؤَلَّفَاتُهُ نِبْرَاسًا وضَّاءً لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ الحَقَّ في
كُلِّ زَمَانٍ، وصَدَقَ اللَّهُ العَظِيمُ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: ﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ
فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ
يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ﴾
[الرعد: 17].
قَالَ
الإِمَامُ الشوكَانِي رحمه الله: إِنَّ البَاطِلَ وإِنْ ظَهَرَ عَلَى الحَقِّ في
بَعْضِ الأَحْوَالِ وعَلاَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَيَسْحَقُهُ ويُبْطِلُهُ
ويَجْعَلُ العَاقِبَةَ لِلحَقِّ وأَهْلِهِ كَالزَّبَدِ الَّذِي يَعْلُو المَاءَ
فَيُلْقِيهِ المَاءُ ويَضْمَحِلَّ. انْتَهَى. وهَذَا المَثَل العَظِيمُ يَنْطَبِقُ
عَلَى شَيْخِ الإِسْلاَمِ ابْنُ تيمية رحمه الله مَعَ خُصُومِهِ فَإِنَّهُم
حَاوَلُوا الظُّهُورَ عَلَيْهِ واستعدوا عَلَيْهِ السُّلْطَةَ في وقْتِهِ
وضَايَقُوهُ وكَتَبُوا مَا كَتَبُوا ضِدَّهُ مِنَ التَّلْبِيسِ والتَّدْلِيسِ،
ولَكِنْ سُرْعَانَ مَا نَسَفَ الحَقُّ الَّذِي مَعَهُ مَا رَوَّجُوهُ مِنَ
البَاطِلِ، وبَقِيَ عِلْمَهُ النَّافِعَ في كُتُبِهِ الَّتِي صَارَ المُسْلِمُونَ
ولِلَّهِ الحَمْدُ يَتَسَابَقُونَ إِلَى نَشْرِهَا وإِحْيَائِهَا - وعَفَا
الزَّمَانُ عَلَى كُتُبِ خُصُومِهِ ونَسِيَهَا النَّاسُ فَأَصْبَحَتْ في زَوَايَا
الإِهْمَالِ والامْتِهَانِ - وهَذِهِ سنة اللَّهِ في خَلْقِهِ ولَنْ تَجِدَ لسنة
اللَّهِ تَبْدِيلاً.