وإنما
قُسِّم وصار قسمًا ثالثًا لما ظهرت فِرق المبتدعة -الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة
- الذين ينفون الأسماء والصفات. فجُعل قسمًا مستقلًّا للرد عليهم، وإلا فهو داخل
في توحيد الربوبية.
فتوحيد الربوبية أقر به المؤمن والكافر.
ومَن جَحَده في الظاهر كفرعون لما قال: ﴿أَنَا۠
رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾ [النازعات: 24]، وقال: ﴿مَا
عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي﴾ [القصص: 38] إنما جحده من
باب المكابرة، وإلا فهو يُقر ويعترف في نفسه وقلبه بتوحيد الربوبية، وأنه لا يستحق
العبادة أحد إلاَّ الله؛ ولهذا قال له موسى عليه السلام: ﴿لَقَدۡ
عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ
بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا﴾ [الإسراء: 102].
فموسى عليه السلام أقسم أن فرعون يعلم أن الربوبية والألوهية لله سبحانه
وتعالى ! لكنه عاند وكابر في الظاهر إبقاء على رياسته وملكه بزعمه.
فالذين جحدوا توحيد الربوبية في الظاهر - وهم قلة - معترفون به في الباطن؛
كما قال عز وجل: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا
وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ﴾ [النمل: 14]، جحدوا
بها في الظاهر واستيقنتها أنفسهم في الباطن، ﴿ظُلۡمٗا
وَعُلُوّٗاۚ﴾ أي: من أجل الظلم ومن أجل العلو على الناس.