فإذا كان هذا موجهًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لو أشرك لحبط عمله،
وحاشاه أن يشرك صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا من باب تحذير الأمة.
فهذه الآية لا تستثني أحدًا، فكل مَن أشرك بالله عز وجل شركًا أكبر، فعمله
باطل مهما كلف نفسه به. ولم يكن هذا خاصًّا بأهل الجاهلية؛ بل هو عامٌّ في كل من
أشرك بالله إلى أن تقوم الساعة.
قوله عز وجل: ﴿بَلِ ٱللَّهَ
فَٱعۡبُدۡ﴾ تقديم المعمول الذي هو المنصوب مفعول لـ ﴿فَٱعۡبُدۡ﴾ الأصل: «فاعبد الله»، فقَدَّم المفعول على الفعل
من باب الحصر، أي: لا تَعبد غيره، مثل ﴿إِيَّاكَ
نَعۡبُدُ﴾ أصله «نعبدك»،
فقَدَّم المعمول ليفيد الحصر، أي: «لا
نعبد سواك»، فتَقَدُّم المعمول هنا يفيد حصر العبادة في الله عز وجل ونفيها
عما عداه.
قوله عز وجل: ﴿قُلۡ
إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ﴾ أي: قل: يا محمد
للناس: إن الله عز وجل أمرني بالتوحيد. وهذا يُفسِّر - كما ذكرنا - قوله عز وجل: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا
تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 23]، وأن المراد بالقضاء هنا الأمر. فالله عز
وجل أَمَر نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بالتوحيد، وكذلك في الآيات التي
بعدها: ﴿قُلِ ٱللَّهَ أَعۡبُدُ
مُخۡلِصٗا لَّهُۥ دِينِي ١٤فَٱعۡبُدُواْ مَا شِئۡتُم مِّن دُونِهِۦۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ
ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَا ذَٰلِكَ
هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ ١٥﴾ [الزمر: 14- 15]، وهذا إعلان أَمَر الله به رسوله صلى
الله عليه وسلم لبيان براءته من عبادة المشركين، وأنه يَعبد الله وحده لا شريك له،
وأن هذا دينه وهذه ملته.