وكونها في النار يختلف باختلاف ما هي عليه: فمَن كانت مفارقته تقتضي الردة
والكفر كان في النار خالدًا فيها. وقد يكون في النار وهو غير كافر، لكن هذا من باب
الوعيد، لا يُخلَّد فيها بل يُعذَّب فيها بقدر ما عنده من المخالفة للحق.
فليس معنى «كُلُّهَا فِي النَّارِ»
أن كل هذه الفرق كافرة؛ بل هذا فيه تفصيل بحَسَب نوع الافتراق؛ لأن الافتراق ينقسم
إلى افتراق ضلال فقط، وافتراق كفر وشرك.
قال: «إِلاَّ وَاحِدَةً» يعني:
اثنتين وسبعين كلها في النار، وفرقة واحدة ناجية؛ ولذلك سُموا بالفرقة الناجية.
«قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا
رَسُولَ اللهِ؟» وهذا من اهتمام الصحابة رضي الله عنهم، سألوا عن هذه الفرقة حتى يتبعوها
ويتمسكوا بمنهجها.
قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»؛
لأن هذا هو الصراط المستقيم الذي قال فيه عز وجل: ﴿وَأَنَّ
هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ
تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].
فلا ينجو إلاَّ من كان على مثل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، في الاعتقاد والأعمال والأخلاق. هذا هو طريق النجاة، وهذه هي الفرقة
الناجية.
ولم يحصل الافتراق في القرون الثلاثة الأولى، نعم، كان فيها قدرية وخوارج، لكنهم
كانوا مكبوتين لا يُظهرون مفارقتهم، وأهل الحق كانوا ظاهرين عليهم.