فهذه مسألة عظيمة، يجب علينا أن نتعقلها، وأن الإنسان لا يتسرع في الإجابة
عن شيء إلاَّ إذا كان يعلمه تمامًا، وإلا فليقف على شاطئ السلامة، ولا يدخل في
لُجَّة البحر وهو لا يحسن السباحة.
قوله: «قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ» هذا يقال في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. أما بعد وفاة النبي صلى
الله عليه وسلم فإنه يقال: «الله
أعلم»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد انتقل من هذه الدار إلى الرفيق الأعلى
إلى الدار الآخرة، فيُوكَّل العلم إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سبحانه وتعالى
أعطى رسوله علمًا عظيمًا ﴿وَعَلَّمَكَ
مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا﴾ [النساء: 113]،
فالرسول صلى الله عليه وسلم عنده علم عظيم من الله ويجيب في حياته، ولكن بعد وفاته
لا يجيب في مسألة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد بَلَّغ البلاغ المبين وأنهى مهمته
ورسالته، وانتقل إلى ربه عز وجل.
قال: «اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»
حينئذٍ تَطَلَّع معاذ رضي الله عنه إلى الإجابة، ووَجَّه ذهنه للإجابة، فألقاها
عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «فإنَّ
حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»،
وهذا هو الذي خلقهم من أجله؛ كما قال عز وجل: ﴿وَمَا
خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] فهو
لم يخلقهم لأجل أن يرزقوه أو يدافعوا عنه، أو ينفعوه بشيء، ما خلقهم إلاَّ
لعبادته، وعبادته راجِعٌ نفعها إليهم أيضًا؛ لأن الله عز وجل غني عنهم وعن
عبادتهم، لكن هذا من رحمته بهم.
قال: «العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ» ولم يقتصر
على هذا؛ بل قال: «وَلاَ
يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»؛ لأن الإنسان قد يعبد الله ويخلط عبادته بشرك،
وحينئذٍ لا تصح