×

وإنما أخبر معاذ رضي الله عنه بهذا الحديث عند وفاته؛ خشية أن يموت وعنده شيء من الأحاديث لم يُبَلِّغه للناس.

فاستدل العلماء من هذا الحديث على أنه يجوز كتمان العلم للمصلحة، إذا كان على إيضاح بعض المسائل للناس محذور؛ كأن يفهموا خطأ، أو يتَّكلوا على ما سمعوا؛ كما في حديث علي رضي الله عنه: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟!» ([1]).

يعني: لا يُلْقَى على كل الناس بعض المسائل التي فيها أمور يخفى عليهم معناها أو تشوش عليهم، وإنما يُلْقَى على الناس ما يفهمونه ويستفيدون منه. أما نوادر المسائل وخواص المسائل، فهذه تُلْقَى على طلبة العلم والمتفقهين المتمكنين. وهذا من الحكمة فلا تأتِ أمام عصاة يشربون الخمور، ويزنون، ويسرقون، وتقل لهم: الله غفور رحيم، الله قريب مجيب، الله سبحانه وتعالى يغفر ويسامح!! فيَزيدون في الشرور. لكن حين تقول لهم: اتقوا الله، أما علمتم أن الله سبحانه وتعالى توعد الزناة بالعذاب، وتوعد على السرقة وعلى المعاصي بالعذاب الشديد؟! فتَذْكُر لهم نصوص الوعيد من أجل التوبة.

وكذلك إذا أتيت عند متمسكين وطيبين، فذكرتَ لهم آيات الوعيد، فهذا ربما يَزيدهم وسواسًا أو تشددًا؛ فأنت تذكر لهم آيات التيسير وأحاديث التيسير والتسهيل والرحمة والفرج... إلى غير ذلك، من أجل أن لا يَزيدوا ويشتدوا ويَغْلُوا.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (127).