فكل مقام له مقال، وتوضع الأمور في مواضعها، هذا هو الميزان الصحيح، والناس
ليسوا على حد سواء، كُلٌّ يخاطَب بما يستفيد منه ولا يتضرر به.
هكذا يكون طالب العلم، إذا تَعَرَّض لمسائل علمية غامضة، لا يعرفها العوام،
ولا تتسع لها عقولهم؛ فإنه لا يلقيها على العوام، وإنما يلقيها على طلبة العلم،
وعلى الناس الذين يستوعبونها.
ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «مَا
أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إلاَّ كَانَ
لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً» ([1]).
فالحاصل: أن طالب العلم والواعظ والمعلم يجب عليه أن يراعي أحوال الحاضرين وأحوال
الناس، ويعطيهم ما يحتاجون إليه من المسائل، ولا يُلْقِي عليهم المسائل الغريبة
التي لم يتوصلوا إليها.
فلو أتيت عند طلبة علم مبتدئين، فلا تلقِ عليهم غرائب المسائل التي لا
يعرفها إلاَّ الراسخون في العلم، بل تعلمهم مبادئ مبسطة سهلة يتدرجون بها شيئًا
فشيئًا.
لا تطلب من طالب علم مبتدئ أن يقرأ في «صحيح البخاري»؛ لأنه لم يصل إلى هذا الحد، لكن لَقِّنه «الأربعين النووية»، والأحاديث القريبة، وشروط الصلاة، وأحكام الطهارة... إلى آخره.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (5).