والمقصود هنا: القسم الثاني من هذه الأقسام الثلاثة - وهو: توحيد الألوهية،
توحيد العبادة - لأن الرسل من أولهم إلى آخرهم جاءوا بالدعوة إليه، فهم يأمرون
الناس بعبادة الله سبحانه وتعالى وينهَون عن الشرك.
أما توحيد الربوبية، فإن كل العالَم يُقرون به ولم يجحده أحد، حتى المشركون
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم - أبو جهل، وأبو لهب، وصناديد الشرك - كانوا
يُقِرون بتوحيد الربوبية؛ كما ذَكَر الله عز وجل ذلك في كتابه الكريم، حيث قال
الله عز وجل: ﴿وَلَئِن
سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ﴾ [لقمان: 25]، وقال:
﴿قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ
ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ ٨٦سَيَقُولُونَ لِلَّهِۚ قُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ
٨٧﴾ [المؤمنون: 86- 87]، وقال الله عز وجل: ﴿قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ
وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ
مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ
فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31]، وقال
الله عز وجل: ﴿وَلَئِن
سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ﴾ [الزخرف: 87]، فهم
يعترفون بتوحيد الربوبية؛ ولذلك يتعرض الرسل لهذا النوع من التوحيد.
وأيضًا: لو أَقَر العبد بتوحيد الربوبية وحده، فإنه لا يكفي، ولا يُدخله في
الإسلام، ولا ينجيه من النار؛ ولذلك قاتل النبي صلى الله عليه وسلم المشركين وهم
يعترفون بتوحيد الربوبية، فدلَّ على أنه لا يكفي، بل لابد من توحيد الألوهية.
فإن قال قائل: فلماذا ذَكَر الله توحيد الربوبية في القرآن كثيرًا؟!
نقول: هذا لأجل الاستدلال به على توحيد الألوهية، لا على طلب الإقرار به من
الناس؛ لأنهم مُقرون به.