وأيضًا: من باب الإلزام للمشركين، فهم كما يُقرون بتوحيد الربوبية يلزمهم أن
يُقروا بتوحيد الألوهية. فإذا كانوا يُقرون بأنه لا خالق ولا رازق ولا مدبر للكون
إلاَّ الله، فلماذا لا يُخْلِصون له العبادة، ويتركون عبادة ما سواه؟
فلذلك يُذكر توحيد الربوبية ثم يأتي بعده مباشرة توحيد الألوهية، أو يُذكر
توحيد الألوهية ثم يأتي بعده مباشرة ذكر توحيد الربوبية، من باب الاستدلال وإقامة
البرهان.
مثال ذلك: قوله عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ
لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21] هذا توحيد الألوهية، ثم قال: ﴿ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ
فِرَٰشٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ﴾ [البقرة: 22] هذا توحيد الربوبية. ذَكَره سبحانه برهانًا
على توحيد الألوهية.
وقال في آية أخرى: ﴿وَإِلَٰهُكُمۡ
إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 163]، ثم
أقام البرهان على ذلك فقال عز وجل: ﴿إِنَّ فِي
خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ
ٱلَّتِي تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ
مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ
فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖ وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ
بَيۡنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة: 164]،
فهذا دليل على توحيد الألوهية.
وكل رسول يفتتح دعوته بأمر الناس بعبادة الله، ولا يأمرهم بالإقرار
بالربوبية؛ لأنهم مقرون بها.