وقوله: ﴿ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا﴾ أي: اخترنا ﴿مِنۡ عِبَادِنَاۖ﴾ وهم أمة محمد صلى
الله عليه وسلم. وهذا ثناء من الله عز وجل على هذه الأمة، وأن الله اختارهم لحَمْل
هذا الكتاب ووراثته.
قال: ﴿فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ
لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ﴾ [فاطر: 32] قَسَّمهم
إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الظالم لنفسه، وهو الموحِّد العاصي.
الثاني: المقتصد، وهو الذي فَعَل الواجبات ولم يترك منها شيئًا، وتَجَنَّب
المحرمات فلم يَغْشَ منها شيئًا. وهؤلاء هم الأبرار.
الثالث: السابق بالخيرات والمقرَّب، وهو الذي فَعَل الواجبات والمستحبات، وتَرَك
المحرمات والمكروهات وبعض المباحات من باب الاحتياط.
فقَسَّم سبحانه وتعالى هذه الأمة إلى هذه الأقسام الثلاثة، ثم وعدهم كلهم
بالجنة، فقال: ﴿جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا
يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ
٣٣وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ
رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ ٣٤ٱلَّذِيٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ
لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٞ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٞ ٣٥﴾ [فاطر: 33- 35].
ضَمِن الله عز وجل لهذه الأصناف الثلاثة كلها الجنة، لكن تختلف منازلهم
فيها، ويختلف دخولهم فيها.
وهذا فيه دليل واضح لمذهب أهل السُّنة والجماعة، أن أصحاب الكبائر لا
يكفرون - كما تقول الخوارج والمعتزلة - لأن الله وعدهم