قوله صلى الله عليه وسلم: «وَرُوحٌ
مِنْهُ» المراد هنا الرُّوح المخلوقة، و «مِن»
هنا ابتدائية وليست تبعيضية؛ كما تقول - مثلاً -: «هذا الرزق من الله»، معناه: أن الله هو الذي يَسَّر هذا الشيء، وهو
الذي هيَّأه وخلقه. قال عز وجل: ﴿وَسَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ﴾ [الجاثية: 13]،
معناه: أنه حاصل ونازل وكائن من الله سبحانه وتعالى. فهي ليست تبعيضية كما يقول
النصارى: «إن عيسى بعضٌ من الله»، و «إنه ابن الله» - تعالى الله عما يقولون
-.
فعيسى عليه السلام رُوح مخلوقة كسائر الأرواح، نَفَخ جبريل عليه السلام في
مريم في جيبها، أو نفخ في فرجها، فدبت النفخة إلى الرحم، فوُجِد الحَمْل بإذن الله
سبحانه وتعالى، من غير أب، والله على كل شيء قدير، فقد خَلَق آدم عليه السلام من
تراب بلا أب ولا أم، ﴿إِنَّ مَثَلَ
عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٖ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ
كُن فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59].
فليس خلق عيسى من أم بلا أب بأعجب من خلق آدم، والله على كل شيء قدير، يخلق
ما يشاء سبحانه وتعالى.
فكلمة «منه» لابتداء الغاية،
يعني: كلمة مبتدأة من الله، ورُوح مبتدأة من الله.
وقد يسأل سائل فيقول: كل أرواح بني آدم من الله على هذا التفسير، فما وجه
اختصاص عيسى بذلك؟
نقول: نعم، كل أرواح بني آدم من الله، لكن عيسى عليه السلام خُص بذلك لأنه
من غير أب، بل هو رُوح من دون أب.