فبَيَّن
الله عز وجل في كتابه الحقَّ وأبطل الباطل، فقال: ﴿يَٰٓأَهۡلَ
ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا
ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ
وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فََٔامِنُواْ
بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ
إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ
لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا﴾ [النساء: 171]،
والآيات بعدها.
**********
قوله: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ
لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ﴾. الغلو: هو الزيادة. ذلك أن النصارى غَلَوا في المسيح
عليه السلام ورفعوه من مرتبة البشرية إلى مرتبة الإلهية.
﴿وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ
إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ﴾ أي: لا تنسبوا إليه من الولد ومن الشبيه ما نَزَّه نفسه
عنه.
﴿إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ
مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ
مِّنۡهُۖ﴾ فالله عز وجل لم يلد ولم يولد، والمسيح مولود من أُم،
فكيف يُتصور أنه إله مع أنه مولود؟ ﴿رَسُولُ ٱللَّهِ﴾ والرسول غير المُرسِل،
﴿وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ
إِلَىٰ مَرۡيَمَ﴾ وهي قوله: ﴿كُن﴾، فسبب وجود المسيح
هو كلمة الله سبحانه وتعالى، فكان بهذه الكلمة بدون أب؛ ولهذا يقال للمسيح: «كلمة الله»؛ لأنه خُلِق بهذه الكلمة، ﴿وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ﴾ وقد عَرَفنا فيما
سبق أن المراد هنا: الرُّوح المخلوقة؛ لأن الأرواح مخلوقة، وعيسى عليه السلام رُوح
من جملة الأرواح المخلوقة. وقوله: ﴿مِّنۡهُۖ﴾ ليست للتبعيض،
وإنما هي لابتداء الغاية، مثل قوله: ﴿وَسَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي
ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]، ﴿مِّنۡهُۖ﴾ هنا ليست للتبعيض،
فهذه المخلوقات ليست بعضًا من الله عز وجل، وإنما ابتداء تسخيرها من الله سبحانه
وتعالى.